لرجل لي عليك ألف درهم فقال الرجل نعم لان كلمة نعم خرجت جوابا لكلامه وجواب الكلام إعادة له لغة كأنه قال لك على ألف درهم وكذلك إذا قال لفلان في ذمتي ألف درهم لان ما في الذمة هو الدين فيكون اقرارا بالدين ولو قال فلان قبلي ألف درهم ذكر القدوري رحمه الله أنه أقر بأمانة في يده وذكر الكرخي رحمه الله أنه يكون اقرارا بالدين وجه ما ذكره الكرخي أن القبالة هي الكفالة قال الله سبحانه وتعالى عز من قائل والملائكة قبيلا أي كفيلا والكفالة هي الضمان قال الله تبارك وتعالى وكفلها زكريا على قراءة التخفيف أي ضمن القيام بأمرها وجه ما ذكره القدوري رحمه الله أن القبالة تستعمل بمعنى الضمان وتستعمل بمعنى الأمانة فان محمدا رحمه الله ذكر في الأصل أن من قال لا حق لي على فلان يبرأ عن الدين ومن قال لا حق لي عند فلان أو معه يبرأ عن الأمانة ولو قال لا حق لي قبله يبرأ عن الدين والأمانة جميعا فكانت القبالة محتملة للضمان والأمانة والضمان لم يعرف وجوبه فلا يجب بالاحتمال ولو قال له في دراهمي هذه ألف درهم يكون اقرارا بالشركة ولو قال له في مالي ألف درهم ذكر في الأصل أن هذا اقرار له ولم يذكر أنه مضمون أو أمانة واختلف المشايخ فيه قال الجصاص رحمه الله أنه يكون اقرارا بالشركة له كما في الفصل الأول لأنه جعل ماله ظرفا للمقر به هو الألف فيقتضى الخلط وهو معنى الشركة وقال بعضهم إن كان ماله محصورا يكون اقرارا بالشركة وان لم يكن محصورا يكون إقرار بالدين فظاهر اطلاق الكتاب يدل على الاقرار بالدين كيف ما كان لان كلمة الظرف في مثل هذا تستعمل في الوجوب قال النبي عليه الصلاة والسلام في الرقة ربع العشر وفى خمس من الإبل السائمة شاة وفى الركاز الخمس ولو قال له في مالي ألف درهم لا يكون اقرارا بل يكون هبة لأنه ليس فيه ما يدل على الوجوب في الذمة لان اللام المضاف إلى أهل الملك للتمليك والتمليك بغير عوض هبة وإذا كان هبة فلا يملكها الا بالقبول والتسليم ولو قال له في مالي ألف درهم لا حق له فيها فهو اقرار بالدين لان الألف التي لا حق له فيها لا تكون دينا إذ لو كانت هبة لكان له فيها حق ولو قال له عندي ألف درهم فهو وديعة لان عندي لا تدل على الوجوب في الذمة بل هي كلمة حضرة وقرب ولا اختصاص لهذا المعنى بالوجوب في الذمة فلا يثبت الوجوب الا بدليل زائد وكذلك لو قال لفلان معي أو في منزلي أو في بيتي أو في صندوقي ألف درهم فذلك كله وديعة لأن هذه الألفاظ لا تدل الا على قيام اليد على المذكور وذا لا يقتضى الوجوب في الذمة لا محالة فلم يكن اقرار بالدين فكانت وديعة لأنها في متعارف الناس تستعمل في الودائع فعند الاطلاق تصرف إليها ولو قال له عندي ألف درهم عارية فهو فرض لان عندي تستعمل في الأمانات وقد فسر بالعارية وعارية الدراهم والدنانير تكون قرضا إذ لا يمكن الانتفاع بها الا باستهلاكها وإعارة ما لا يمكن الانتفاع به الا باستهلاكه يكون قرضا في المتعارف وكذلك هذا في كل ما يكال أو يوزن لتعذر الانتفاع بها بدون الاستهلاك فكان الاقرار باعارتها اقرار بالقرض والله سبحانه وتعالى أعلم (وأما) الدلالة فهي أن يقول له رجل لي عليك ألف فيقول قد قضيتها لان القضاء اسم لتسليم مثل الواجب في الذمة فيقتضى سابقية الوجوب فكان الاقرار بالقضاء اقرارا بالوجوب ثم يدعى الخروج عنه بالقضاء فلا يصح الا بالبينة وكذلك إذا قال له رجل لي عليك ألف درهم فقال أتزنها لأنه أضاف الاتزان إلى الألف المدعاة والانسان لا يأمر المدعى باتزان المدعى الا بعد كونه واجبا عليه فكان الامر بالاتزان اقرارا بالدين دلالة وكذلك إذا قال انتقدها لما قلنا ولو قال أتزن أو أتنقد لم يكن اقرارا لأنه لم توجد الإضافة إلى المدعى فيحتمل الامر باتزان شئ آخر فلا يحمل على الاقرار بالاحتمال وكذا إذا قال أجلني بها لان التأجيل تأخير المطالبة مع قيام أصل الدين في الذمة كالدين المؤجل والله تعالى أعلم ولو قال له رجل لي عليك ألف درهم فقال حقا يكون اقرارا لان معناه حققت فيما قلت لان انتصاب المصدر لا بد له من اظهار صدره وهو الفعل ويحتمل أن يكون معناه حقا أو الزم حقا ولكن الأول أظهر وكذلك إذا قال الحق لأنه تعريف المصدر وهو قوله حقا وكذلك لو قال صدقا أو الصدق أو يقينا أو اليقين لما قلنا ولو قال برا أو البر لا يكون اقرار لان لفظة البر مشترك تذكر على إرادة الصدق وتذكر على إرادة التقوى وتذكر على إرادة الخير فلا يحمل على الاقرار بالاحتمال وكذلك لو قال صلاحا أو
(٢٠٨)