الصلاح لا يكون اقرارا لان لفظة الصلاح لا تكون بمعنى التصديق والاقرار فإنه لو صرح وقال له صلحت لا يكون تصديقا فيحمل على الامر بالصلاح والاجتناب عن الكذب هذا إذا ذكر لفظة مفردة من هذه الألفاظ الخمسة فان جمع بين لفظتين متجانستين أو مختلفتين فحكمه يعرف في اقرار الجامع إن شاء الله تعالى ثم ركن الاقرار لا يخلو اما أن يكون مطلقا واما أن يكون ملحقا بقرينة فالمطلق هو قوله لفلان على كذا وما يجرى مجراه خاليا عن القرائن (وأما) الملحق بالقرينة فبيانه يشتمل على فصل بيان ما يصدق للمقر فيما ألحق باقراره من القرائن ما لا يكون رجوعا وما لا يصدق فيه مما يكون رجوعا فنقول القرينة في الأصل نوعان قرينة مغيرة من حيث الظاهر مبنية على الحقيقة وقرينة مبنية على الاطلاق أما القرينة المغيرة من حيث الظاهر والمبنية على الحقيقة فهي المسقطة لاسم الجملة فيعتبر بها الاسم لكن يتبين بها المراد فكان تغييرا صورة تبيينا معنى (وأما) القرينة المغيرة فتتنوع ثلاثة أنواع نوع يدخل في أصل الاقرار ونوع يدخل على وصف المقر به ونوع يدخل على قدره وكل ذلك قد يكون متصلا وقد يكون منفصلا أما الذي يدخل على أصل الاقرار فنحو التعليق بمشيئة الله تعالى متصلا باللفظ بان قال لفلان على ألف درهم إن شاء الله تعالى وهذا يمنع صحة الاقرار أصلا لان تعليق مشيئة الله تبارك وتعالى بكون الألف في الذمة أمر لا يعرف فان شاء كان وان لم يشأ لم يكن فلا يصح الاقرار مع الاحتمال ولان الاقرار اخبار عن كائن والكائن لا يحتمل تعليق كونه بالمشيئة فان الفاعل إذا قال أنا فاعل إن شاء الله تعالى يستحق ولهذا أبطلنا القول بالاستثناء في الايمان والله تعالى أعلم بالصواب وكذا إذا علقه بمشيئة فلان لا يصح الاقرار لما قلنا ولو أقر بشرط الخيار بطل الشرط وصح الاقرار لما ذكرنا أن الاقرار اخبار عن ثابت في الذمة وشرط الخيار في معنى الرجوع والاقرار في حقوق العباد لا يحتمل الرجوع (وأما) الذي يدخل على وصف المقر به فكان كان متصلا باللفظ بان قال لفلان على ألف درهم وديعة يصح ويكون اقرار بالوديعة وإن كان منفصلا عنه بان سكت ثم قال عنيت به الوديعة لا يصح ويكون اقرار بالدين لان بيان الغير لا يصح الا بشرط الوصل كالاستثناء وهذا لان قوله لفلان على ألف درهم اخبار عن وجوب الألف عليه من حيث الظاهر ألا ترى أنه لو سكت عليه لكان كذلك فان قرن به قوله وديعة وحكمها وجوب الحفظ فقد غير حكم الظاهر من وجوب العين إلى وجوب الحفظ فكان بيان تغيير من حيث الظاهر فلا يصح الا موصولا كالاستثناء وإنما يصح موصولا لان قوله على ألف درهم يحتمل وجوب الحفظ أي على حفظ ألف درهم وإن كان خلاف الظاهر فيصح بشرط الوصل ولو قال على ألف درهم وديعة قرضا أو مضاربة قرضا أو بضاعة قرضا أو قال دينا مكان قوله قرضا فهو اقرار بالدين لان الجمع بين اللفظين في معناهما ممكن لجواز أن يكون أمانة في الابتداء ثم يصير مضمونا في الانتهاء إذ الضمان قد يطرأ على الأمانة كالوديعة المستهلكة ونحوها سواء وصل أو فصل لان الانسان في الاقرار بالضمان على نفسه غير متهم (وأما) الذي يدخل على قدر المقر به فنوعان أحدهما الاستثناء والثاني الاستدراك أما الاستثناء في الأصل فنوعان أحدهما أن يكون المستثنى من جنس المستثنى منه والثاني أن يكون من خلاف جنسه وكل واحد منهما نوعان متصل ومنفصل فإن كان المستثنى من جنس المستثنى منه والاستثناء متصل فهو على ثلاثة أوجه استثناء القليل من الكثير واستثناء الكثير من القليل واستثناء الكل من الكل اما استثناء القليل من الكثير فنحو أن يقول على عشرة دراهم الا ثلاثة دراهم ولا خلاف في جوازه ويلزمه سبعة دراهم لان الاستثناء في الحقيقة تكلم بالباقي بعد الثنيا كأنه قال لفلان على سبعة دراهم الا أن للسبعة اسمان أحدهما سبعة والآخر عشرة الا ثلاثة قال الله تبارك وتعالى فلبث فهم ألف سنة الا خمسين عاما معناه أنه لبث فيهم تسعمائة وخمسين عاما وكذلك إذا قال لفلان على ألف درهم سوى ثلاثة دراهم لان سوى من ألفاظ الاستثناء وكذا إذا قال غير ثلاثة لان غير بالنصب للاستثناء فان قال لفلان على درهم غير دانق يلزمه خمسة دوانق ولو قال غير دانق بالرفع يلزمه درهم تام (وأما) استثناء الكثير من القليل بان قال لفلان على تسعة دراهم الا عشرة فجائز في ظاهر الرواية ويلزمه درهم
(٢٠٩)