كثير من الأشياء بظروفها فلو علم الناس انه لا يصح اقراره بالعين لامتنعوا عن تسليم الأعيان إليه فلا يلتئم أمر التجارة ولا يملك الاقرار بالجناية لان الاقرار بالجناية ليس من ضرورات التجارة فلا يتناوله الاذن بالتجارة فلا يصح منه ولا يطالب بها بعد العتاق أيضا لان موجب الجناية يلزم المولى دون العبد فكان ذلك شهادة على المولى لا اقرارا على نفسه فلم يصح أصلا الا إذا صدقه المولى فيجوز عليه ولا يجوز على الغرماء وهل يصح اقراره بافتضاض أمة بإصبعه غصبا قال أبو حنيفة ومحمد رضي الله عنهما لا يصح وقال أبو يوسف رحمه الله يصح سواء كان عليه دين أو لا ويضرب مولى الأمة مع الغرماء في ثمن العبد وهذا الخلاف مبنى على أن هذا الاقرار بالجناية أم بالمال فعندهما هذا اقرار بالجناية فلا يصح من غير تصديق المولى وعنده هذا اقرار بالمال فيصح من غير تصديقه وعلى هذا إذا أقر بمهر وجب عليه بنكاح جائز أو فاسد أو شبهة فإن لم يصدقه المولى لم يصح اقراره حتى لا يؤاخذ به للحال لان المهر يجب بالنكاح وانه ليس بتجارة ولا هو في معنى التجارة فيستوى فيه اقرار المأذون والمحجور وان صدقه المولى جاز ذلك عليه ولم يجز على الغرماء لان تصديقه يعتبر في حق نفسه لا في ابطال حق الغير فيباع في دين الغرماء فان فضل شئ منه يصرف إلى دين المرأة والا فيتأخر إلى ما بعد العتق ويملك الاقرار بالحدود والقصاص لان المحجور يملك فالمأذون أولى وإذا أقر به فلا يشترط حضرة المولى للاستيفاء بلا خلاف وهل يشترط حضور المولى عند قيام البينة عليها فيه خلاف نذكره في موضعه وهل يملك تأخير دين له وجب على إنسان فان وجب له وحده يملك بالاجماع لان التأخير يحتاج إليه وكذا هو من عادة التجار وان وجب له ولرجل آخر دين على إنسان فاخر المأذون نصيب نفسه فالتأخير باطل عند أبي حنيفة رحمه الله وعندهما جائز (وجه) قولهما ان التأخير منه تصرف في ملك نفسه فيصح كما لو كان كل الدين له فأخره (وجه) قول أبي حنيفة رحمه الله ان التأخير لو صح لا يخلو اما ان يصح في نصيب شريكه واما أن يصح في نصيب نفسه لا سبيل إلى الأول لانعدام الملك والولاية وتصرف الانسان لا يصح في غير ملك ولا ولاية ولا سبيل إلى الثاني لأنه قسمة الدين قبل القبض ألا ترى ان شريكه لو قبض شيئا من نصيبه قبل حلول الأجل يختص بالمقبوض ولا يشاركه فيه ومعنى القسمة هو الاختصاص بالمقسوم وقد وجد فثبت ان هذا قسمة الدين قبل القبض وانها غير جائزة لان الدين اسم لفعل واجب وهو فعل تسليم المال والمال حكمي في الذمة وكل ذلك عدم حقيقة الا انه أعطى له حكم الوجود لحاجة الناس لان كل أحد لا يملك ما يدفع به حاجته من الأعيان القائمة فيحتاج إلى الاستقراض والشراء بثمن دين فأعطى له حكم الوجود لهذه الحاجة ولا حاجة إلى قسمته فبقي في حق القسمة على أصل العدم والعدم لا يحتمل القسمة وإذا لم يصح التأخير عند أبي حنيفة رحمه الله فلو أخذ شريكه من الدين كان المأخوذ بينهما على الشركة كما قبل التأخير وعندهما كان المأخوذ له خاصة ولا يشاركه حتى يحل الأجل له بالتأخير أسقط حق نفسه والمطالبة فإذا حل الأجل فهو بالخيار ان شاء شاركه في المقبوض وان شاء أخذ حقه من الغريم لان الدين حل بحلول الأجل ولو كان الدين في الأصل منهما جميعا مؤجلا فاخذ أحدهما شيئا قبل حل الأجل شاركه فيه صاحبه لأنه لما أخذ شيئا قبل حل الأجل فقد سقط الأجل عن قدر المقبوض وصار حالا فصار المقبوض من النصيبين جميعا فيشاركه فيه صاحبه كما في الدين الحال ولو كان الدين كله بينهما مؤجلا إلى سنة فأخره العبد سنة أخرى لم يجز التأخير عند أبي حنيفة وعندهما يجوز حتى لو أخذ شريكه من الغريم شيئا في السنة الأولى شاركه فيه عنده وعندهما لا يشاركه حتى يحل دينه فإذا حل فله الخيار على ما ذكرنا والله سبحانه وتعالى أعلم ولا يملك الابراء عن الدين بالاجماع لأنه ليس من التجارة بل هو تبرع فلا يملكه المأذون وهل يملك الحط فإن كان الحط من غير عيب لا يملكه أيضا لما قلنا وإن كان الحط من عيب بان باع شيئا ثم حط من ثمنه ينظر ان حط بالمعروف بان حط مثل ما يحطه التجار عادة جاز لان مثل هذا الحط من توابع التجارة وان لم يكن بالمعروف بأن كان فاحشا جاز عند أبي حنيفة وعندهما لا يجوز وقد ذكرنا أصل المسألة فيما قبل وهل يملك الصلح بان وجب له على إنسان دين فصالحه على بعض
(١٩٦)