بارتكاب محظور الاحرام والجناية عليه ثم زعم الشافعي ان فعل الخاطئ والناسي لا يوصف بالجناية والحظر لان فعل الخطأ والنسيان مما لا يمكن التحرز عنه فكان عذرا وقلنا نحن ان فعل الخاطئ والناسي جناية وحرام لان فعلهما جائز المؤاخذة عليه عقلا وإنما رفعت المؤاخذة عليه شرعا مع بقاء وصف الحظر والحرمة فأمكن القول بوجوب الكفارة وكذا التحرز عنهما ممكن في الجملة إذ لا يقع الانسان في الخطأ والسهو الا لنوع تقصير منه فلم يكن عذرا منه ولهذا لم يعذر الناسي في باب الصلاة الا أنه جعل عذرا في باب الصوم لأنه يغلب وجوده فكان في وجوب القضاء حرج ولا يغلب في باب الحج لان أحوال الاحرام مذكرة فكان النسيان معها نادرا على أن العذر في هذا الباب لا يمنع وجوب الجزاء كما في كفارة الحلق لمرض أو أذى بالرأس وكذا فوات الحج لا يختلف حكمه للعذر وعدم العذر وأما الابتداء فاحتج بقوله عز وجل ومن قتله منكم متعمدا فجزاء مثل ما قتل من النعم خص المتعمد بايجاب الجزاء عليه فلو شاركه الخاطئ والناسي في الوجوب لم يكن للتخصيص معنى ولنا وجوه من الاستدلال بالعمد أحدها أن الكفارات وجبت رافعة للجناية ولهذا سماه الله تعالى كفارة بقوله عز وجل أو كفارة طعام مساكين وقد وجدت الجناية على الاحرام في الخطأ الا ترى ان الله عز وجل سمى الكفارة في القتل الخطأ توبة بقوله تعالى في آخر الآية توبة من الله ولا توبة الا من الجناية والحاجة إلى رفع الجناية موجودة والكفارة صالحة لرفعها لأنها ترفع أعلى الجنايتين وهي العمد وما صلح رافعا لاعلى الذنبين يصلح رافعا لادناهما بخلاف قتل الآدمي عمدا أنه لا يوجب الكفارة عندنا والخطأ يوجب لان النقص هناك وجب ورد بايجاب الكفارة في الخطأ وذنب الخطأ دون ذنب العمد وما يصلح لرفع الأدنى لا يصلح لرفع الاعلى فامتنع الوجوب من طريق الاستدلال لانعدام طريقه والثاني أن المحرم بالاحرام أمن الصيد عن التعرض والتزم ترك التعرض له فصار الصيد كالأمانة عنده وكل ذي أمانة إذا اتعف الأمانة يلزمه الغرم عمدا كان أو خطأ بخلاف قتل النفس عمدا لان النفس محفوظة بصاحبها وليست بأمانة عند القاتل حتى يستوى حكم العمد والخطأ في التعرض لها والثالث ان الله تعالى ذكر التخيير في حال العمد وموضوع التخيير في حال الضرورة لأنه في التوسع وذا في حال الضرورة كالتخيير في الحلق لمن به مرض أو به أذى من رأسه بقوله فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك ولا ضرورة في حال العمد فعلم أن ذكر التخيير فيه لتقدير الحكم به في حال الضرورة لولاه لما ذكر التخيير فكان ايجاب الجزاء في حال العمد ايجابا في حال الخطأ ولهذا كان ذكر التخيير الموضوع للتخفيف والتوسع في كفارة اليمين بين الأشياء الثلاثة حالة العمد ذكرا في حالة الخطا والنوم والجنون دلالة وأما تخصيص العامد فقد عرف من أصلنا أنه ليس في ذكر حكمه وبيانه في حال دليل نفيه في حال أخرى فكان تمسكا بالمسكوت فلا يصح ويحتمل أن يكون تخصيص العامد لعظم ذنبه تنبيها على الايجاب على من قصر ذنبه عنه من الخاطئ والناسي من طريق الأولى لان الواجب لما رفع أعلى الذنبين فلان يرفع الأدنى أولى وعلى هذا كانت الآية حجة عليه والله أعلم ويستوى في وجوب كمال الجزاء بقتل الصيد حال الانفراد والاجتماع عندنا حتى لو اشترك جماعة من المحرمين في قتل صيد يجب على كل واحد منهم جزاء كامل عند أصحابنا وعند الشافعي يجب عليهم جزاء واحد وجه قوله أن المقتول واحد فلا يضمن الا بجزاء واحد كما إذا قتل جماعة رجلا واحدا خطا انه لا تجب عليهم الا دية واحدة وكذا جماعة من المحللين إذا قتلوا صيدا واحدا في الحرم لا يجب عليهم الا قيمة واحدة كذا هذا ولنا قوله تعالي ومن قتله منكم متعمدا فجزاء مثل ما قتل من النعم وكلمة من تتناول كل واحد من القاتلين على حياله كما في قوله عز وجل ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم وقوله تعالى ومن يظلم منكم نذقه عذابا كبيرا وقوله عز وجل ومن يكفر بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وأقرب المواضع قوله عز وجل ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة حتى يجب على كل واحد من القاتلين خطأ كفارة على حدة ولا تلزمه الدية انه لا يجب عليهم الا دية واحدة لان ظاهر اللفظ وعمومه يقتضى وجوب الدية على كل واحد منهم وإنما عرفنا وجوب دية واحدة بالاجماع وقد ترك ظاهر اللفظ بدليل
(٢٠٢)