فيقتضى الوجوب على الكل وطواف اللقاء لا يجب أصلا وطواف الصدر لا يجب على الكل لأنه لا يجب على أهل مكة فيتعين طواف الزيارة مرادا بالآية وقوله تعالى ولله على الناس حج البيت والحج في اللغة هو القصد وفى عرف الشرع هو زيارة البيت والزيارة هي القصد إلى الشئ للتقرب قال الشاعر ألم تعلمي يا أم سعد بأنما * تخاطانى ريب الزمان لا كثرا واشهد من عوف حلولا كثيرة * يحجون بيت الزبر قان المزعفرا وقوله يحجون أي يقصدون ذلك البيت للتقرب فكان حج البيت هو القصد إليه للتقرب به وإنما يقصد البيت للتقرب بالطواف به فكان الطواف به ركنا والمراد به طواف الزيارة لما بينا ولهذا يسمى في عرف الشرع طواف الركن فكان ركنا وكذا الأمة أجمعت على كونه ركنا ويجب على أهل الحرم وغيرهم لعموم قوله تعالى وليطوفوا بالبيت العتيق وقوله عز وجل ولله على الناس حج البيت * (فصل) * وأما ركنه فحصوله كائنا حول البيت سواء كان بفعل نفسه أو بفعل غيره وسواء كان عاجزا عن الطواف بنفسه فطاف به غيره بأمره أو بغير أمره أو كان قادرا على الطواف بنفسه فحمله غيره بأمره أو بغير أمره غير أنه إن كان عاجزا أجزأه ولا شئ عليه وإن كان قادرا أجزأه ولكن يلزمه الدم اما الجواز فلان الفرض حصوله كائنا حول البيت وقد حصل واما لزوم الدم فلتركه الواجب وهو المشي بنفسه مع القدرة عليه فدخله نقص فيجب جبره بالدم كما إذا طاف راكبا أو زحفا وهو قادر على المشي وإذا كان عاجزا عن المشي لا يلزمه شئ لأنه لم يترك الواجب إذ لا وجوب مع العجز ويجوز ذلك عن الحامل والمحمول جميعا لما ذكرنا أن الفرض حصوله كائنا حول البيت وقد حصل كل واحد منهما كائنا حول البيت غير أن أحدهما حصل كائنا بفعل نفسه والآخر بفعل غيره فان قيل إن مشى الحامل فعل والفعل الواحد كيف يقع عن شخصين فالجواب من وجهين أحدهما أن المفروض ليس هو الفعل في الباب بل حصول الشخص حول البيت بمنزلة الوقوف بعرفة ان المفروض منه حصوله كائنا بعرفة لا فعل الوقوف على ما بينا فيما تقدم والثاني أن مشى الواحد جاز ان يقع عن اثنين في باب الحج كالبعير الواحد إذا ركبه اثنان فطافا عليه وكذا يجوز في الشرع ان يجعل فعل واحد حقيقة كفعلين معنى كالأب والوصي إذا باع مال نفسه من الصغير أو اشترى مال الصغير لنفسه ونحو ذلك كذا ههنا * (فصل) * وأما شرطه وواجباته فشرطه النية وهو أصل النية دون التعيين حتى لو لم ينو أصلا بان طاف هاربا من سبع أو طالبا لغريم لم يجز فرق أصحابنا بين الطواف وبين الوقوف أن الوقوف يصح من غير نية الوقوف عند الوقوف والطواف لا يصح من غير نية الطواف عند الطواف كذا ذكره القدوري في شرحه مختصر الكرخي وأشار القاضي في شرحه مختصر الطحاوي إلى أن نية الطواف عند الطواف ليست بشرط أصلا وان نية الحج عند الاحرام كافية ولا يحتاج إلى نية مفردة كما في سائر أفعال الحج وكما في أفعال الصلاة ووجه الفرق على ما ذكره القدوري أن الوقوف ركن يقع في حال قيام نفس الاحرام لانعدام ما يضاده فلا يحتاج إلى نية مفردة بل تكفيه النية السابقة وهي نية الحج كالركوع والسجود في باب الصلاة لأنه لا يحتاج إلى افرادهما بالنية لاشتمال نية الصلاة عليهما كذا الوقوف فاما الطواف فلا يؤتى به في حال قيام نفس الاحرام لوجود ما يضاده لأنه تحليل لأنه يقع به التحليل ولا احرام حال وجود التحليل لان الشئ حال وجوده موجود ووجوده يمنع الاحرام من الوجود فلا تشتمل عليه نية الحج فتقع الحاجة إلى الافراد بالنية كالتسليم في باب الصلاة إذ التسليم تحليل أو نقول إن الوقوف يوجد في حال قيام الاحرام المطلق لبقائه في حق جميع الأحكام فيتناوله نية الحج فلا يحتاج إلى نية على حدة ولا كذلك الطواف فإنه يوجد حال زوال الاحرام من وجه لوقوع التحلل قبله من وجه بالحلق أو التقصير الا ترى انه يحل له كل شئ الا النساء فوقعت الحاجة إلى نية على حدة فاما تعيين النية حال وجوده في وقته فلا حاجة إليه حتى لو نفر في النفر الأول فطاف وهو لا يعين طوافا يقع عن طواف الزيارة لا عن الصدر لان أيام النحر متعينة لطواف الزيارة
(١٢٨)