الرمي في يوم النحر فكذا في اليوم الثاني والثالث لان الكل أيام النحر وجه الرواية المشهورة ما روى عن جابر رضي الله عنه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم رمى الجمرة يوم النحر ضحى ورمى في بقية الأيام بعد الزوال وهذا باب لا يعرف بالقياس بل بالتوقيف فان أخر الرمي فيهما إلى الليل فرمى قبل طلوع الفجر جاز ولا شئ عليه لان الليل وقت الرمي في أيام الرمي لما روينا من الحديث فإذا رمى في اليوم الثاني من أيام التشريق بعد الزوال فأراد أن ينفر من منى إلى مكة وهو المراد من النفر الأول فله ذلك لقوله تعالى فمن تعجل في يومين فلا اثم عليه أي من نفر إلى مكة بعد ما رمى يومين من أيام التشريق وترك الرمي في اليوم الثالث فلا اثم عليه في تعجيله والأفضل أن لا يتعجل بل يتأخر إلى آخر أيام التشريق وهو اليوم الثالث منها فيستوفى الرمي في الأيام كلها ثم ينفر وهو المعنى من النفر الثاني وذلك معنى قوله تعالى ومن تأخر فلا اثم عليه وفى ظاهر هذه الآية الشريفة اشكال من وجهين أحدهما انه ذكر قوله تعالى لا اثم عليه في المتعجل والمتأخر جميعا وهذا إن كان يستقيم في حق المتعجل لأنه يترخص لا يستقيم في حق المتأخر لأنه أخذ بالعزيمة والأفضل والثاني أنه قال تعالى في المتأخر فلا اثم عليه لمن اتقى قيده بالتقوى وهذا التقييد بالمتعجل أليق لأنه اخذ بالرخصة ولم يذكر فيه هذا التقييد والجواب عن الاشكال الأول ما روى عن ابن عباس رضي الله عنه أنه قال في هذه الآية فمن تعجل في يومين غفر له ومن تأخر غفر له وكذا روى عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال في قوله تعالى فلا اثم عليه رجع مغفورا له وأما قوله تعالى لمن اتقى فهو بيان أن ما سبق من وعد المغفرة للمتعجل والمتأخر بشرط التقوى ثم من أهل التأويل من صرف التقوى إلى الاتقاء عن قتل الصيد في الاحرام أي لمن اتقى قتل الصيد في حال الاحرام وصرف أيضا قوله تعالى واتقوا الله أي فاتقوا الله ولا تستحلوا قتل الصيد في الاحرام ومنهم من صرف التقوى إلى الاتقاء عن المعاصي كلها في الحج وفيما بقي من عمره ويحتمل أن يكون المراد منه التقوى عما حظر عليه الاحرام من الرفث والفسوق والجدال وغيرها والله أعلم وإنما يجوز له النفر في اليوم الثاني والثالث ما لم يطلع الفجر من اليوم الثاني فإذا طلع الفجر لم يجز له النفر وأما وقت الرمي من اليوم الثالث من أيام التشريق وهو اليوم الرابع من أيام الرمي فالوقت المستحب له بعد الزوال ولو رمى قبل الزوال يجوز في قول أبي حنيفة وفى قول أبى يوسف ومحمد لا يجوز واحتجا بما روى عن جابر رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم رمى الجمرة يوم النحر ضحى ورمى في بقية الأيام بعد الزوال وأوقات المناسك لا تعرف قياسا فدل ان وقته بعد الزوال ولان هذا يوم من أيام الرمي فكان وقت الرمي فيه بعد الزوال كاليوم الثاني والثالث من أيام التشريق ولأبي حنيفة ما روى عن ابن عباس رضي الله عنه أنه قال إذا افتتح النهار من آخر أيام التشريق جاز الرمي والظاهر أنه قاله سماعا من النبي صلى الله عليه وسلم إذ هو باب لا يدرك بالرأي والاجتهاد فصار اليوم الأخير من أيام التشريق مخصوصا من حديث جابر رضي الله عنه بهذا الحديث أو يحمل فعله في اليوم الأخير على الاستحباب ولان له أن ينفر قبل الرمي ويترك الرمي في هذا اليوم رأسا فإذا جاز له ترك الرمي أصلا فلان يجوز له الرمي قبل الزوال أولى والله أعلم * (فصل) * وأما مكان الرمي ففي يوم النحر عند جمرة العقبة وفى الأيام الأخر عند ثلاثة مواضع عند الجمرة الأولى والوسطى والعقبة ويعتبر في ذلك كله مكان وقوع الجمرة لامكان الرمي حتى لو رماها من مكان بعيد فوقعت الحصاة عند الجمرة أجزأه وان لم تقع عنده لم تجزها الا إذا وقعت بقرب منها لان ما يقرب من ذلك المكإن كان في حكمه لكونه تبعا له والله أعلم * (فصل) * وأما الكلام في عدد الجمار وقدرها وجنسها ومأخذها ومقدار ما يرمى كل يوم عند كل موضع وكيفية الرمي وما يسن في ذلك وما يستحب وما يكره فيأتي إن شاء الله تعالى في بيان سنن أفعال الحج والله أعلم * (فصل) * وأما بيان حكمه إذا تأخر عن وقته أو فات فنقول إذا ترك من جمار يوم النحر حصاة أو حصاتين أو ثلاثا إلى الغد فإنه يرمى ما ترك أو يتصدق لكل حصاة نصف صاع من حنطة الا أن يبلغ قدر الطعام دما فينقص ما شاء ولا
(١٣٨)