إنما كان يضرب على تقديم الثقل مخافة السرقة ثم يأتي الأبطح ويسمى المحصب وهو موضع بين منى وبين مكة فينزل به ساعة فإنه سنة عندنا لما روى عن نافع عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهم أن النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم نزلوا بالأبطح ثم يدخل مكة فيطوف طواف الصدر توديعا للبيت ولهذا يسمى طواف الوداع وانه واجب على أهل الآفاق عندنا لما ذكرنا فيما تقدم فيطوف سبعة أشواط لا رمل فيها لأنه طواف لا سعى بعده ويصلى ركعتين ثم يرجع إلى أهله لأنه لم يبق عليه شئ من الأركان والواجبات كذا ذكر في الأصل وذكر الطحاوي في مختصره عن أبي حنيفة انه إذا فرغ من طواف الصدر يأتي المقام فيصلى عنده ركعتين ثم يأتي زمزم فيشرب من مائها ويصب على وجهه ورأسه ثم يأتي الملتزم وهو ما بين الحجر الأسود والباب فيضع صدره وجبهته عليه ويتشبث بأستار الكعبة ويدعو ثم يرجع وذكر في العيون كذلك الا أنه قال في آخره ويستلم الحجر ويكبر ثم يرجع وروى عن أبي حنيفة أنه قال إن دخل البيت فحسن وان لم يدخل لم يضره ويقول عند رجوعه آيبون تائبون عابدون لربنا حامدون صدق الله وعده ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده والله الموفق * (فصل) * وأما شرائط أركانه فمنها الاسلام فإنه كما هو شرط الوجوب فهو شرط جواز الأداء لان الحج عبادة والكافر ليس من أهل أداء العبادة ومنها العقل فلا يجوز أداء الحج من المجنون والصبي الذي لا يعقل كما لا يجب عليهما فاما البلوغ والحرية فليسا من شرائط الجواز فيجوز حج الصبي العاقل بإذن وليه والعبد الكبير بإذن مولاه لكنه لا يقع عن حجة الاسلام لعدم الوجوب ومنها الاحرام عندنا والكلام في الاحرام يقع في مواضع في بيان انه شرط وفي بيان ما يصير به محرما وفي بيان زمان الاحرام وفي بيان مكانه وفي بيان ما يحرم به وفي بيان حكم المحرم إذا منع عن المضي في موجب الاحرام وفي بيان ما يحظره الاحرام وما لا يحظره وفي بيان ما يجب بفعل المحظور منه اما الأول فالاحرام شرط جواز أداء أفعال الحج عندنا وعند الشافعي ركن وعنى به أنه جزء من أفعال الحج وهو على الاختلاف في تحريمة الصلاة ويتضمن الكلام في هذا الفصل بيان زمان الاحرام انه جميع السنة عندنا وعنده أشهر الحج حتى يجوز الاحرام قبل أشهر الحج عندنا لكنه يكره وعنده لا يجوز رأسا وينعقد احرامه للعمرة لا للحجة عنده وعندنا ينعقد للحجة ووجه البناء على هذا الأصل ان الاحرام لما كان شرطا لجواز أداء افعال الحج عندنا جاز وجوده قبل هجوم وقت أداء الافعال كما تجوز الطهارة قبل دخول وقت الصلاة ولما كان ركنا عنده لم يجز سابقا على وقته لان أداء أفعال العبادة المؤقتة قبل وقتها لا يجوز كالصلاة وغيرها فنتكلم في المسألة بناء وابتداء اما البناء فوجه قول الشافعي ان الذي أحرم بالحج يؤمر باتمامه وكذا المحرم للصلاة يؤمر باتمامها لا بالابتداء فلو لم يكن الاحرام من أفعال الحج لأمر بالابتداء لا بالاتمام فدل انه ركن في نفسه وشرط لجواز أداء ما بقي من الافعال ولنا ان ركن الشئ ما يأخذ الاسم منه ثم قد يكون بمعنى واحد كالامساك في باب الصوم وقد يكون معاني مختلفة كالقيام والقراءة والركوع والسجود في باب الصلاة والايجاب والقبول في باب البيع ونحو ذلك وشرطه ما يأخذ الاعتبار منه كالطهارة للصلاة والشهادة في النكاح وغير ذلك والحج يأخذ الاسم من الوقوف بعرفة وطواف الزيارة لا من الاحرام قال الله تعالى ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا وحج البيت هو زيارة البيت وقال النبي صلى الله عليه وسلم الحج عرفة أي الوقوف بعرفة ولم يطلق اسم الحج على الاحرام وإنما به اعتبار الركنين فكان شرطا لا ركنا ولهذا جعله الشافعي شرطا لأداء ما بقي من الافعال واما قوله إنه يؤمر بالاتمام بعد الاحرام ممنوع بل لا يؤمر به ما لم يؤد بعد الاحرام شيئا من أفعال الحج واما الابتداء فالشافعي احتج بقوله تعالى الحج أشهر معلومات أي وقت الحج أشهر معلومات إذ الحج نفسه لا يكون أشهرا لأنه فعل والأشهر أزمنة فقد عين الله أشهرا معلومة وقتا للحج والحج في عرف الشرع اسم لجملة من الافعال مع شرائطها منها الاحرام فلا يجوز تقديمه على وقته ولنا قوله تعالى يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج ظاهر الآية يقتضى أن تكون الأشهر كلها وقتا للحج فيقتضى جواز الاحرام بأداء أفعال الحج في الأوقات
(١٦٠)