* (فصل) * وأما حكمه إذا فات عن أيام النحر فهو أنه لا يسقط بل يجب أن يأتي به لان سائر الأوقات وقته بخلاف الوقوف بعرفة انه إذا فات عن وقته يسقط لأنه موقت بوقت مخصوص ثم إن كان بمكة يأتي به باحرامه الأول لأنه قائم إذ التحلل بالطواف ولم يوجد وعليه لتأخيره عن أيام النحر دم عند أبي حنيفة وإن كان رجع إلى أهله فعليه أن يرجع إلى مكة باحرامه الأول ولا يحتاج إلى احرام جديد وهو محرم عن النساء إلى أن يعود فيطوف وعليه للتأخير دم عند أبي حنيفة ولا يجزئ عن هذا الطواف بدنة لأنه ركن وأركان الحج لا يجزئ عنها البدل ولا يقوم غيرها مقامها بل يجب الاتيان بعينها كالوقوف بعرفة وكذا لو كان طاف ثلاثة أشواط فهو والذي لم يطف سواء لان الأقل لا يقوم مقام الكل وإن كان طاف جنبا أو على غير وضوء أو طاف أربعة أشواط ثم رجع إلى أهله أما إذا طاف جنبا فعليه أن يعود إلى مكة لا محالة هو العزيمة وباحرام جديد حتى يعيد الطواف أما وجوب العود بطريق العزيمة فلتفاحش النقصان بالجنابة فيؤمر بالعود كما لو ترك أكثر الأشواط وأما تجديد الاحرام فلانه حصل التحلل بالطواف مع الجنابة على أصل أصحابنا والطهارة عن الحدث والجنابة ليست بشرط لجواز الطواف فإذا حصل التحلل صار حلالا والحلال لا يجوز له دخول مكة بغير احرام فإن لم يعد إلى مكة لكنه بعث بدنة جاز لما ذكرنا أن البدنة تجبر النقص بالجنابة لان العزيمة هو العود لان النقصان فاحش فكان العود أجبر له لأنه جبر بالجنس وأما إذا طاف محدثا أو طاف أربعة أشواط فان عاد وطاف جاز لأنه جبر النقص بجنسه وان بعث شاة جاز أيضا لان النقص يسير فينجبر بالشاة والأفضل أن يبعث بالشاة لان الشاة تجبر النقص وتنفع الفقراء وتدفع عنه مشقة الرجوع وإن كان بمكة فالرجوع أفضل لأنه جبر الشئ بجنسه فكان أولى والله تعالى أعلم * (فصل) * وأما واجبات الحج فخمسة السعي بين الصفا والمروة والوقوف بمزدلفة ورمى الجمار والحلق أو التقصير وطواف الصدر أما لسعى فالكلام فيه يقع في مواضع في بيان صفته وفي بيان قدره وفى بين ركنه وفي بيان شرائط جوازه وفي بيان سننه وفي بيان وقته وفي بيان حكمه إذا تأخر عن وقته أما الأول فقد قال أصحابنا انه واجب وقال الشافعي انه فرض حتى لو ترك الحاج خطوة منه وأتى أقصى بلاد المسلمين يؤمر بأن يعود إلى ذلك الموضع فيضع قدمه عليه ويخطو تلك الخطوة وقال بعض الناس ليس بفرض ولا واجب واحتج هؤلاء بقوله عز وجل فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما وكلمة لا جناح لا تستعمل في الفرائض والواجبات ويدل عليه قراءة أبى فلا جناح عليه أن لا يطوف بهما واحتج الشافعي بما روى عن صفية بنت فلان انها سمعت امرأة سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال إن الله تعالى كتب عليكم السعي بين الصفا والمروة أي فرض عليكم إذ الكتابة عبارة عن الفرض كما في قوله تعالى كتب عليكم الصيام وكتب عليكم القصاص وغير ذلك ولنا قوله عز وجل ولله على الناس حج البيت وحج البيت هو زيارة البيت لما ذكرنا فيما تقدم فظاهره يقتضى أن يكون طواف الزيارة هو الركن لا غير الا أنه زيد عليه الوقوف بعرفة بدليل فمن ادعى زيادة السعي فعليه الدليل وقول النبي صلى الله عليه وسلم الحج عرفة فظاهره يقتضى أن يكون الوقوف بعرفة كل الركن الا أنه زيد عليه طواف الزيارة فمن ادعى زيادة السعي فعليه الدليل وعن عائشة رضي الله عنها انها قالت ماتم حج امرئ قط الا بالسعي وفيه إشارة إلى أنه واجب وليس بفرض لأنها وصفت الحج بدونه بالنقصان لا بالفساد وفوت الواجب هو الذي يوجب النقصان فأما فوت الفرض فيوجب الفساد والبطلان ولان الفرضية إنما ثبتت بدليل مقطوع به ولا يوجد ذلك في محل الاجتهاد إذا كان الخلاف بين أهل الديانة وأما الآية فليس المراد منها رفع الجناح على الطواف بهما مطلقا بل على الطواف بهما لمكان الأصنام التي كانت هنالك لما قيل إنه كان بالصفا صنم وبالمروة صنم وقيل كان بين الصفا والمروة أصنام فتحرجوا عن الصعود عليهما والسعي بينهما احترازا عن التشبه بعبادة الأصنام والتشبه بأفعال الجاهلية فرفع الله عنهم الجناح بالطواف بهما أو بينهما مع كون الأصنام هنالك وأما قراءة أبى رضي الله عنه فيحتمل أن تكون لا صلة زائدة معناه لا جناح عليه أن يطوف بينهما لان لا قد
(١٣٣)