والشافعي نظر إلى المحل فقال المحل وهو المقتول متحد فلا يجب الا ضمان واحد وأصحابنا نظروا إلى الفعل فقالوا الفعل متعدد فيتعدد الجزاء ونظرنا أقوى لان الواجب جزاء الفعل لان الله تعالى سماه جزاء بقوله فجزاء مثل ما قتل من النعم والجزاء يقابل الفعل لا المحل وكذا سمى الواجب كفارة بقوله عز وجل أو كفارة طعام مساكين والكفارة جزاء الجناية بخلاف الدية فإنها بدل المحل فتتحد باتحاد المحل وتتعدد بتعدده وهو الجواب عن صيد الحرم لان ضمانه يشبه ضمان الأموال لأنها تجب بالجناية على الحرم والحرم واحد فلا تجب الا قيمة واحدة ولو قتل صيدا معلما كالبازي والشاهين والصقر والحمام الذي يجئ من مواضع بعيدة ونحو ذلك يجب عليه قيمتان قيمته معلما لصاحبه بالغة ما بلغت وقيمته غير معلم حقا لله لأنه جنى على حقين حق الله تعالى وحق العبد والتعليم وصف مرغوب فيه في حق العباد لأنهم ينتفعون بذلك والله عز وجل يتعالى عن أن ينتفع بشئ ولأن الضمان الذي هو حق الله تعالى يتعلق بكونه صيدا وكونه معلما وصف زائد على كونه صيدا فلا يعتبر ذلك في وجوب الجزاء وقد قالوا في الحمامة المصوتة انه يضمن قيمتها مصوتة في رواية وفى رواية غير مصوتة وجه الرواية الأولى ان كونها مصوتة من باب الحسن والملاحة والصيد مضمون بذلك كما لو قتل صيدا حسنا مليحا له زيادة قيمة تجب قيمته على تلك الصفة وكما لو قتل حمامة مطوقة أو فاختة مطوقة وجه الرواية الأخرى على نحو ما ذكرنا ان كونها مصوتة لا يرجع إلى كونه صيدا فلا يلزم المحرم ضمان ذلك وهذا يشكل بالمطوقة والصيد الحسن المليح ولو أخذ بيض صيد فشواه أو كسره فعليه قيمته يتصدق به لما روى عن الصحابة رضي الله عنهم انهم حكموا في بيض النعامة بقيمته ولأنه أصل الصيد إذ الصيد يتولد منه فيعطى له حكم الصيد احتياطا فان شوى بيضا أو جرادا فضمنه لا يحرم أكله ولو أكله أو غيره حلالا كان أو محرما لا يلزمه شئ بخلاف الصيد الذي قتله المحرم انه لا يحل أكله ولو أكل المحرم الصائد منه بعدما أدى جزاءه يلزمه قيمة ما أكل في قول أبي حنيفة لان الحرمة هناك لكونه ميتة لعدم الذكاة لخروجه عن أهلية الذكاة والحرمة ههنا ليست لمكان كونه ميتة لأنه لا يحتاج إلى الذكاة فصار كالمجوسي إذا شوى بيضا أو جرادا انه يحل أكله كذا هذا فان كسر البيض فخرج منه فرخ ميت فعليه قيمته حيا يؤخذ فيه بالثقة وقال مالك عليه نصف عشر قيمته واعتبره بالجنين لان ضمانه ضمان الجنايات وفى الجنين نصف عشر قيمته كذا فيه ولنا ان الفرخ صيد لأنه يفرض أن يصير صيدا فيعطى له حكم الصيد ويحتمل انه مات بكسره ويحتمل انه كان ميتا قبل ذلك وضمان الصيد يؤخذ فيه بالاحتياط لأنه وجب حقا لله تعالى وحقوق الله تعالى يحتاط في ايجابها وكذلك إذا ضرب بطن ظبية فألقت جنينا ثم ماتت الظبية فعليه قيمتهما يؤخذ في ذلك كله بالثقة اما قيمة الام فلانه قتلها وأما قيمة الجنين فلانه يحتمل انه مات بفعله ويحتمل انه كان ميتا فيحكم بالضمان احتياطا فان قتل ظبية حاملا فعليه قيمتها حاملا لان الحمل يجرى مجرى صفاتها وحسنها وملاحتها وسمنها والصيد مضمون بأوصافه ولو حلب صيدا فعليه ما نقصه الحلب لان اللبن جزء من أجزاء الصيد فإذا نقصه الحلب يضمن كما لو أتلف جزأ من أجزائه كالصيد المملوك وأما إذا قتل الصيد تسببا فإن كان متعديا في التسبب يضمن والا فلا بيان ذلك أنه إذا نصب شبكة فتعقل به صيد ومات أو حفر حفيرة للصيد فوقع فيها فعطب يضمن لأنه متعد في التسبب ولو ضرب فسطاطا لنفسه فتعقل به صيد فمات أو حفر حفيرة للماء أو للخبز فوقع فيها صيد فمات لا شئ عليه لان ذلك مباح له فلم يكن متعديا في التسبب وهذا كمن حفر بئرا على قارعة الطريق فوقع فيها انسان أو بهيمة ومات يضمن ولو كان الحفر في دار نفسه فوقع فيها انسان لا يضمن لأنه في الأول متعديا لتسبب وفى الثاني لا كذا هذا ولو أعان محرم محرما أو حلالا على صيد ضمن لان الإعانة على الصيد تسبب إلى قتله وهو متعد في هذا التسبب لأنه تعاون على الاثم والعدوان وقد قال الله تعالى ولا تعاونوا على الاثم والعدوان ولو دل عليه أو أشار إليه فإن كان المدلول يرى الصيد أو يعلم به من غير دلالة أو إشارة فلا شئ على الدال لأنه إذا كان يراه أو يعلم به من غير دلالته فلا أثر لدلالنه في تفويت الامن على الصيد فلم تقع الدلالة تسببا الا انه يكره ذلك فقتله
(٢٠٣)