العشر وكان ذلك بمحضر من الصحابة رضي الله عنهم ولم يخالفه أحد منهم فيكون اجماعا منهم على ذلك وروى أنه قال خذوا منهم ما يأخذون من تجارنا فقيل له ان لم نعلم ما يأخذون من تجارنا فقال خذوا منهم العشر وما يؤخذ منهم فهو في معنى الجزية والمؤنة توضع مواضع الجزية وتصرف إلى مصارفها * (فصل) * وأما ركن الزكاة فركن الزكاة هو اخراج جزء من النصاب إلى الله تعالى وتسليم ذلك إليه يقطع المالك يده عنه بتمليكه من الفقير وتسليمه إليه أو إلى يد من هو نائب عنه وهو المصدق والملك للفقير يثبت من الله تعالى وصاحب المال نائب عن الله تعالى في التمليك والتسليم إلى الفقير والدليل على ذلك قوله تعالى ألم يعلموا أن الله هو يقبل التوبة عن عباده ويأخذ الصدقات وقول النبي صلى الله عليه وسلم الصدقة تقع في يد الرحمن قبل إن تقع في كف الفقير وقد أمر الله تعالى الملاك بايتاء الزكاة لقوله عز وجل وآتوا الزكاة والايتاء هو التمليك ولذا سمى الله تعالى الزكاة صدقة بقوله عز وجل إنما الصدقات للفقراء والتصدق تمليك فيصير المالك مخرجا قدر الزكاة إلى الله تعالى بمقتضى التمليك سابقا عليه ولان الزكاة عبادة على أصلنا والعبادة اخلاص العمل بكليته لله تعالى وذلك فيما قلنا إن عند التسليم إلى الفقير تنقطع نسبة قدر الزكاة عنه بالكلية وتصير خالصة لله تعالى ويكون معنى القربة في الاخراج إلى الله تعالى بابطال ملكه عنه لا في التمليك من الفقير بل التمليك من الله تعالى في الحقيقة وصاحب المال نائب عن الله تعالى غير أن عند أبي حنيفة الركن هو اخراج جزء من النصاب من حيث المعنى دون الصورة وعندهما صورة ومعنى لكن يجوز إقامة الغير مقامه من حيث المعنى ويبطل اعتبار الصورة باذن صاحب الحق وهو الله تعالى على ما بينا فيما تقدم وبينا اختلاف المشايخ في السوائم على قول أبي حنيفة وعلى هذا يخرج صرف الزكاة إلى وجوه البر من بناء المساجد والرباطات والسقايات واصلاح القناطر وتكفين الموتى ودفنهم انه لا يجوز لأنه لم يوجد التمليك أصلا وكذلك إذا اشترى بالزكاة طعاما فأطعم الفقراء غداء وعشاء ولم يدفع عين الطعام إليهم لا يجوز لعدم التمليك وكذا لو قضى دين ميت فقير بنية الزكاة لأنه لم يوجد التمليك من الفقير لعدم قبضه ولو قضى دين حي فقير ان قضى بغير أمره لم يجز لأنه لم يوجد التمليك من الفقير لعدم قبضه وإن كان بأمره يجوز عن الزكاة لوجود التمليك من الفقير لأنه لما أمره به صار وكيلا عنه في القبض فصار كان الفقير قبض الصدقة بنفسه وملكه من الغريم ولو أعتق عبده بنية الزكاة لا يجوز لانعدام التمليك إذ الاعتاق ليس بتمليك بل هو اسقاط الملك وكذا لو اشترى بقدر الزكاة عبدا فاعتقه لا يجوز عن الزكاة عند عامة العلماء وقال مالك يجوز وبه تأول قوله تعالى وفى الرقاب وهو ان يشترى بالزكاة عبدا فيعتقه ولنا أن الواجب هو التمليك والاعتاق إزالة الملك فلم يأت بالواجب والمراد من قوله تعالى وفى الرقاب إعانة المكاتبين بالزكاة لما نذكره ولو دفع زكاته إلى الامام أو إلى عامل الصدقة يجوز لأنه نائب عن الفقير في القبض فكان قبضه كقبض الفقير وكذا لو دفع زكاة ماله إلى صبي فقير أو مجنون فقير وقبض له وليه أبوه أو جده أو وصيهما جاز لان الولي يملك قبض الصدقة عنه وكذا لو قبض عنه بعض أقاربه وليس ثمة أقرب منه وهو في عياله يجوز وكذا الأجنبي الذي هو في عياله لأنه في معنى الولي في قبض الصدقة لكونه نفعا محضا الا ترى انه يملك قبض الهبة له وكذا الملتقط إذا قبض الصدقة عن اللقيط لأنه يملك القبض له فقد وجد تمليك الصدقة من الفقير وذكر في العيون عن أبي يوسف ان من عال يتيما فجعل يكسوه ويطعمه وينوى به عن زكاة ماله يجوز وقال محمد ما كان من كسوة يجوز وفى الطعام لا يجوز الا ما دفع إليه وقيل لا خلاف بينهما في الحقيقة لان مراد أبى يوسف ليس هو الاطعام على طريق الإباحة بل على وجه التمليك ثم إن كان اليتيم عاقلا يدفع إليه وان لم يكن عاقلا يقبض عنه بطريق النيابة ثم يكسوه ويطعمه لان قبض الولي كقبضه لو كان عاقلا ولا يجوز قبض الأجنبي للفقير البالغ العاقل الا بتوكيله لأنه لا ولاية له عليه فلا بد من أمره كما في قبض الهبة وعلى هذا أيضا يخرج الدفع إلى عبده ومدبره وأم ولده انه لا يجوز لعدم التمليك إذ هم لا يملكون شيئا فكان الدفع إليهم دفعا إلى نفسه ولا يدفع إلى مكاتبه لأنه عبد ما بقي عليه درهم ولان كسبه متردد
(٣٩)