فادى خمسة عينا عن الدين لأنه أداء الكامل عن الناقص لأن العين مال بنفسه ومالية الدين لاعتبار تعينه في العاقبتة وكذا العين قابل للتمليك من جميع الناس والدين لا يقبل التمليك لغير من عليه الدين وأداء الدين عن العين لا يجوز بأن كان له على فقير خمسة دراهم وله مائتا درهم عين حال عليها الحول فتصدق بالخمسة على الفقير ناويا عن زكاة المائتين لأنه أداء الناقص عن الكامل فلا يخرج عما عليه والحيلة في الجواز أن يتصدق عليه بخمسة دراهم عين ينوى عن زكاة المائتين ثم بأخذها منه قضاء عن دينه فيجوز ويحل له ذلك وأما أداء الدين عن الدين فإن كان عن دين يصير عينا لا يجوز بأن كان له على فقير خمسة دراهم دين وله على رجل آخر مائتا درهم فحال عليها الحول فتصدق بهذه الخمسة على من عليه ناويا عن زكاة المائتين لان المائتين تصير عينا بالاستيفاء فتبين في الآخرة ان هذا أداء الدين عن العين وانه لا يجوز لما بينا وإن كان عن دين لا يصير عينا يجوز بأن كان له على فقير مائتا درهم دين فحال عليها الحول فوهب منه المائتين ينوى عن الزكاة لان هذا دين لا ينقلب عينا فلا يظهر في الآخرة ان هذا أداء الدين عن العين فلا يظهر انه أداء الناقص عن الكامل فيجوز هذا إذا كان من عليه الدين فقيرا فوهب المائتين له أو تصدق بها عليه فاما إذا كان غنيا فوهب أو تصدق فلا شك أنه سقط عنه الدين لكن هل يجوز وتسقط عنه الزكاة أم لا يجوز وتكون زكاتها دينا عليه وذكر في الجامع أنه لا يجوز ويكون قدر الزكاة مضمونا عليه وذكر في نوادر الزكاة انه يجوز وجه رواية الجامع ظاهر لأنه دفع الزكاة إلى الغنى مع العلم بحاله أو من غير تحر وهذا لا يجوز بالاجماع وجه رواية النوادر ان الجواز ليس على معنى سقوط الواجب بل على امتناع الوجوب لان الوجوب باعتبار ماليته وماليته باعتبار صيرورته عينا في العاقبة فإذا لم يصر تبين انه لم يكن مالا والزكاة لا تجب فيما ليس بمال والله أعلم * (فصل) * وأما الذي يرجع إلى المؤدى إليه فأنواع منها أن يكون فقيرا فلا يجوز صرف الزكاة إلى الغنى الا أن يكون عاملا عليها لقوله تعالى إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفى الرقاب والغارمين وفى سبيل الله وابن السبيل جعل الله تعالى الصدقات للأصناف المذكورين بحرف اللام وانه للاختصاص فيقتضى اختصاصهم باستحقاقها فلو جاز صرفها إلى غيرهم لبطل الاختصاص وهذا لا يجوز والآية خرجت لبيان مواضع الصدقات ومصارفها ومستحقيها وهم وان اختلفت أساميهم فسبب الاستحقاق في الكل واحد وهو الحاجة الا العاملين عليها فإنهم مع غناهم يستحقون العمالة لان السبب في حقهم العمالة لما نذكر ثم لابد من بيان معاني هذه الأسماء اما الفقراء والمساكين فلا خلاف في أن كل واحد منهما جنس على حدة وهو الصحيح لما نذكر واختلف أهل التأويل واللغة في معنى الفقير والمسكين وفى ان أيهما أشد حاجة وأسوأ حالا قال الحسن الفقير الذي لا يسأل والمسكين الذي يسأل وهكذا ذكره الزهري وكذا روى أبو يوسف عن أبي حنيفة وهو المروى عن ابن عباس رضي الله عنهما وهذا يدل على أن المسكين أحوج وقال قتادة الفقير الذي به زمانة وله حاجة والمسكين المحتاج الذي لا زمانة به وهذا يدل على أن الفقير أحوج وقيل الفقير الذي يملك شيئا يقوته والمسكين الذي لا شئ له سمى مسكينا لما أسكنته حاجته عن التحرك فلا يقدر يبرح عن مكانه وهذا أشبه الأقاويل قال الله تعالى أو مسكينا ذا متربة قيل في التفسير أي استتر بالتراب وحفر الأرض إلى عانته وقال الشاعر أما الفقير الذي كانت حلوبته * وفق العيال فلم يترك له سبد سماه فقيرا مع أن له حلوبة هي وفق العيال والأصل ان الفقير والمسكين كل واحد منهما اسم ينبئ عن الحاجة الا حاجة المسكين أشد وعلى هذا يخرج قول من يقول الفقير الذي لا يسأل والمسكين الذي يسأل لان من شأن الفقير المسلم انه يتحمل ما كانت له حيلة ويتعفف ولا يخرج فيسأل وله حيلة فسؤاله يدل على شدة حاله وما روى أبو هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ليس المسكين الطواف الذي يطوف على الناس ترده اللقمة واللقمتان والتمرة والتمرتان قيل فما المسكين يا رسول الله قال الذي لا يجد ما يغنيه ولا يفطن به فيتصدق عليه
(٤٣)