لو قال تصدق بها عن كفارة يميني ثم نوى الآمر عن زكاة ماله جاز لما ذكرنا أن الآمر هو المؤدى من حيث المعنى وإنما المأمور نائب عنه ولو قال إن دخلت هذه الدار فلله على أن أتصدق بهذه المائة درهم ثم نوى وقت الدخول عن زكاة ماله لا تكون زكاة لان عند الدخول وجب عليه التصدق بالنذر المتقدم أو اليمين المتقدمة وذلك لا يحتمل الرجوع فيه بخلاف الأول ولو تصدق عن غيره بغير أمره فان تصدق بمال نفسه جازت الصدقة عن نفسه ولا تجوز عن غيره وان أجازه ورضى به أما عدم الجواز عن غيره فلعدم التمليك منه إذ لا ملك له في المؤدى ولا يملكه بالإجازة فلا تقع الصدقة عنه وتقع عن المتصدق لان التصدق وجد نفاذا عليه وان تصدق بمال المتصدق عنه وقف على اجازته فان أجاز والمال قائم جاز عن الزكاة وإن كان المال هالكا جاز عن التطوع ولم يجز عن الزكاة لأنه لما تصدق عنه بغير أمره وهلك المال صار بدله دينا في ذمته فلو جاز ذلك عن الزكاة كان أداء الدين عن الغير وانه لا يجوز والله أعلم واما وقت النية فقد ذكر الطحاوي ولا تجزئ الزكاة عمن أخرجها الا بنية مخالطة لاخراجه إياها كما قال في باب الصلاة وهذا إشارة إلى أنها لا تجزئ الا بنية مقارنة للأداء وعن محمد بن سلمة أنه قال إن كان وقت التصدق بحال لو سئل عماذا يتصدق أمكنه الجواب من غير فكرة فان ذلك يكون نية منه وتجزئه كما قال في نية الصلاة والصحيح أن النية تعتبر في أحد الوقتين اما عند الدفع واما عند التمييز هكذا روى هشام عن محمد في رجل نوى ان ما يتصدق به إلى آخر السنة فهو عن زكاة ماله فجعل يتصدق إلى آخر السنة ولا تحضره النية قال لا تجزئه وان ميز زكاة ماله فصرها في كمه وقال هذه من الزكاة فجعل يتصدق ولا تحضره النية قال أرجو ان تجزئه عن الزكاة لان في الأول لم توجد النية في الوقتين وفى الثاني وجد في أحدهما وهو وقت التمييز وإنما لم تشترط في وقت الدفع عينا لان دفع الزكاة قد يقع دفعة واحدة وقد يقع متفرقا وفى اشتراط النية عند كل دفع مع تفريق الدفع حرج والحرج مدفوع والله أعلم * (فصل) * وأما الذي يرجع إلى المؤدى فمنها أن يكون مالا متقوما على الاطلاق سواء كان منصوصا عليه أو لا من جنس المال الذي وجبت فيه الزكاة أو من غير جنسه والأصل ان كل مال يجوز التصدق به تطوعا يجوز أداء الزكاة منه ومالا فلا وهذا عندنا وعند الشافعي لا يجوز الأداء المنصوص عليه وقد مضت المسألة غير أن المؤدى يعتبر فيه القدر والصفة في بعض الأموال وفى بعضها القدر دون الصفة وفى بعضها الصفة دون القدر وفى بعض هذه الجملة اتفاق وفى بعضها اختلاف وجملة الكلام فيه ان مال الزكاة لا يخلو اما أن يكون عينا واما أن يكون دينا والعين لا يخلو اما أن تكون مما لا يجرى فيه الربا كالحيوان والعروض واما أن يكون مما يجرى فيه الربا كالمكيل والموزون فإن كان مما لا يجرى فيه الربا فإن كان من السوائم فان أدى المنصوص عليه من الشاة وبنت المخاض ونحو ذلك يراعى فيه صفة الواجب وهو أن يكون وسطا فلا يجوز الردئ الا على طريق التقويم فبقدر قيمته وعليه التكميل لأنه لم يؤد الواجب ولو أدى الجيد جاز لأنه أدى الواجب وزيادة وان أدى القيمة أدى قيمة الوسط فان أدى قيمة الردئ لم يجز الا بقدر قيمته وعليه التكميل ولو أدى شاة واحدة سمينة عن شاتين وسطين تعدل قيمتها قيمة شاتين وسطين جاز لان الحيوان ليس من أموال الربا والجودة في غير أموال الربا متقومة ألا ترى انه يجوز بيع شاة بشاتين فبقدر الوسط يقع عن نفسه وبقدر قيمة الجودة يقع عن شاة أخرى وإن كان من عروض التجارة فان أدى من النصاب ربع عشره يجوز كيفما كان النصاب لأنه أدى الواجب بكماله وان أدى من غير النصاب فإن كان من جنسه يراعى فيه صفة الواجب من الجيد والوسط والردئ ولو أدى الردئ مكان الجيد والوسط لا يجوز الا على طريق التقويم بقدره وعليه التكميل لان العروض ليست من أموال الربا حتى يجوز بيع ثوب بثوبين فكانت الجودة فيها متقومة ولهذا الوادي ثوبا جيدا عن ثوبين رديئين يجوز وإن كان من خلاف جنسه يراعى فيه قيمة الواجب حتى لو أدى أنقص منه لا يجوز الا بقدره وإن كان مال الزكاة مما يجرى فيه الربا من الكيلي والوزني فان أدى ربع عشر النصاب يجوز كيفما كان لأنه أدى ما وجب عليه وان أدى من غير النصاب فلا يخلو اما إن كان من جنس النصاب واما إن كان من خلاف جنسه فإن كان المؤدى من خلاف جنسه بأن أدى الذهب عن الفضة أو
(٤١)