صيد الملوك أرانب وثعالب * وإذا ركبت فصيدى الابطال أطلق اسم الصيد على الثعلب الا انه خص منها الصيد العادي المبتدئ بالأذى غالبا أو قيدت بدليل فمن ادعى تخصيص غيره أو التقييد فعليه الدليل وقد روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال الضبع صيد وفيه شاة إذا قتله المحرم وعن عمر وابن عباس رضي الله عنهما انهما أوجبا في قتل المحرم الضبع جزاء وعن علي رضي الله عنه أنه قال في الضبع إذا عدا على المحرم فليقتله فان قتله قبل أن يعدو عليه فعليه شاة مسنة ولا حجة للشافعي في حديث الخمس الفواسق لأنه ليس فيه أن إباحة قتلهن لأجل انه لا يؤكل لحمها بل فيه إشارة إلى أن علة الإباحة فيها الابتداء بالأذى غالبا ولا يوجد ذلك في الضبع والثعلب بل من عادتهما الهرب من بني آدم ولا يؤذيان أحدا حتى يبتدئهما بالأذى فلم توجد علة الإباحة فيهما فلم تثبت الإباحة وعلى هذا الخلاف الضب واليربوع والسمور والدلف والقرد والفيل والخنزير لأنها صيد لوجود معنى الصيد فيها وهو الامتناع والتوحش ولا تبتدئ بالأذى غالبا فتدخل تحت ما تلونا من الآيات الكريمة وقال زفر في الخنزير انه لا يجب الجزاء فيه لما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال بعثت بكسر المعازف وقتل الخنازير ندبنا صلى الله عليه وسلم إلى قتله والندب فوق الإباحة فلا يتعلق به الجزاء والحديث محمول على غير حال الاحرام أو على حال العدو والابتداء بالأذى حملا لخبر الواحد على موافقة الكتاب العزيز وعلى هذا الاختلاف سباع الطير والله أعلم * (فصل) * وأما بيان حكم ما يحرم على المحرم اصطياده إذا اصطاده فالامر لا يخلو اما ان قتل الصيد واما ان جرحه واما ان أخذه فلم يقتله ولم يجرحه فان قتله فالقتل لا يخلو اما أن يكون مباشرة أو تسيبا فإن كان مباشرة فعليه قيمة الصيد المقتول يقومه ذوا عدل لهما بصارة بقيمة الصيود فيقومانه في المكان الذي أصابه إن كان موضعا تباع فيه الصيود وإن كان في مفازة يقومانه في أقرب الأماكن من العمران إليه فان بلغت قيمته ثمن هدى فالقاتل بالخيار ان شاء أهدى وان شاء أطعم وان شاء صام وان لم يبلغ قيمته ثمن هدى فهو بالخيار بين الطعام والصيام سواء كان الصيد مما له نظير أو كان مما لا نظير له وهذا قول أبي حنيفة وأبى يوسف وحكى الطحاوي قول محمد ان الخيار للحكمين ان شاءا حكما عليه هديا وان شاءا طعاما وان شاءا صياما فان حكما عليه هديا نظر القاتل إلى نظيره من النعم من حيث الخلقة والصورة إن كان الصيد مما له نظير سواء كان قيمة نظيره مثل قيمته أو أقل أو أكثر لا ينظر إلى القيمة بل إلى الصورة والهيئة فيجب في الظبي شاة وفى الضبع شاة وفى حمار الوحش بقرة وفى النعامة بعير وفى الأرنب عناق وفى اليربوع جفرة وان لم يكن له نظير مما في ذبحه قربة كالحمام والعصفور وسائر الطيور تعتبر قيمته كما قال أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد وحكى الكرخي قول محمد ان الخيار للقاتل عنده أيضا غير أنه ان اختار الهدى لا يجوز له الا اخراج النظير فيما له نظير وعند الشافعي يجب عليه بقتل ماله نظيرا لنظير ابتداء من غير اختيار أحد وله ان يطعم ويكون الاطعام بدلا عن النظير لا عن الصيد فيقع الكلام في موجب قتل صيد له نظير في مواضع منها انه يجب على القاتل قيمته في قول أبي حنيفة وأبى يوسف ولا يجب عند محمد والشافعي والأصل فيه قوله عز وجل ومن قتله منكم متعمدا فجزاء مثل ما قتل من النعم أي فعليه جزاء مثل ما قتل أوجب الله تعالى على القاتل جزاء مثل ما قتل واختلف الفقهاء في المراد من المثل المذكور في الآية الشريفة قال أبو حنيفة وأبو يوسف المراد منه المثل من حيث المعنى وهو القيمة وقال محمد والشافعي المراد منه المثل من حيث الصورة والهيئة وجه قولهما ان الله تعالى أوجب على القاتل جزاء من النعم وهو مثل ما قتل من النعم لأنه ذكر المثل ثم فسره بالنعم بقوله عز وجل من النعم ومن ههنا لتمييز الجنس فصار تقدير الآية الشريفة ومن قتله منكم متعمدا فجزاء من النعم وهو مثل المقتول وهو أن يكون مثله في الخلقة والصورة وروى أن جماعة من الصحابة رضي الله عنهم منهم عمر رضي الله عنه أوجبوا في النعامة بدنة وفى الظبية شاة وفى الأرنب عناقا وهم كانوا أعرف بمعاني كتاب الله تعالى ولأبي حنيفة وأبى يوسف وجوه من الاستدلال بهذه الآية أولها ان الله عز وجل نهى المحرمين عن قتل الصيد عاما لأنه تعالى
(١٩٨)