الشهوة ولو عالج ذكره فامنى اختلف المشايخ فيه قال بعضهم لا يفسد وقال بعضهم يفسد وهو قول محمد بن سلمة والفقيه أبى الليث لوجود قضاء الشهوة بفعله فكان جماعا من حيث المعنى وعن محمد فيمن أولج ذكره في امرأته قبل الصبح ثم خشي الصبح فانتزع منها فامنى بعد الصبح انه لا يفسد صومه وهو بمنزلة الاحتلام ولو جامع بهيمة فأنزل فسد صومه وعليه القضاء ولا كفارة عليه لأنه وان وجد الجماع صورة ومعنى وهو قضاء الشهوة لكن على سبيل القصور لسعة المحل ولو جامعها ولم ينزل لا يفسد ولو حاضت المرأة أو نفست بعد طلوع الفجر فسد صومها لان الحيض والنفاس منافيان للصوم لمنافاتهما أهلية الصوم شرعا بخلاف القياس باجماع الصحابة رضي الله عنهم على ما بينا فيما تقدم بخلاف ما إذا جن انسان بعد طلوع الفجر أو أغمي عليه وقد كان نوى من الليل ان صومه ذلك اليوم جائز لما ذكرنا ان الجنون والاغماء لا ينافيان أهلية الأداء وإنما ينافيان النية بخلاف الحيض والنفاس والله أعلم * (فصل) * وأما حكم فساد الصوم ففساد الصوم يتعلق به أحكام بعضها يعم الصيامات كلها وبعضها يخص البعض دون البعض أما الذي يعم الكل فالاثم إذا أفسد بغير عذر لأنه أبطل عمله من غير عذر وابطال العمل من غير عذر حرام لقوله تعالى ولا تبطلوا أعمالكم وقال الشافعي كذلك الا في صوم التطوع بناء على أن الشروع في التطوع موجب للاتمام عندنا وعنده ليس بموجب والمسألة ذكرناها في كتاب الصلاة وإن كان بعذر لا يأثم وإذا اختلف الحكم بالعذر فلا بد من معرفة الاعذار المسقطة للإثم والمؤاخذة فنبينها بتوفيق الله تعالى فنقول هي المرض والسفر والاكراه والحبل والرضاع والجوع والعطش وكبر السن لكن بعضها مرخص وبعضها مبيح مطلق لا موجب كما فيه خوف زيادة ضرر دون خوف الهلاك فهو مرخص وما فيه خوف الهلاك فهو مبيح مطلق بل موجب فنذكر جملة ذلك فنقول اما المرض فالمرخص منه هو الذي يخاف أن يزداد بالصوم واليه وقعت الإشارة في الجامع الصغير فإنه قال في رجل خاف ان لم يفطر تزداد عيناه وجعا أو حماه شدة أفطر وذكر الكرخي في مختصره ان المرض الذي يبيح الافطار هو ما يخاف منه الموت أو زيادة العلة كائنا ما كانت العلة وروى عن أبي حنيفة انه إن كان بحال يباح له أداء صلاة الفرض قاعدا فلا بأس بأن يفطر والمبيح المطلق بل الموجب هو الذي يخاف منه الهلاك لان فيه القاء النفس إلى التهلكة لا لإقامة حق الله تعالى وهو الوجوب والوجوب لا يبقى في هذه الحالة وانه حرام فكان الافطار مباحا بل واجبا وأما السفر فالمرخص منه هو مطلق السفر المقدر والأصل فيهما قوله تعالى فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر أي فمن كان منكم مريضا أو على سفر فأفطر بعذر المرض والسفر فعدة من أيام أخر دل ان المرض والسفر سببا الرخصة ثم السفر والمرض وان أطلق ذكرهما في الآية فالمراد منهما المقيد لان مطلق السفر ليس بسبب الرخصة لان حقيقة السفر هو الخروج عن الوطن أو الظهور وذا يحصل بالخروج إلى الضيعة ولا تتعلق به الرخصة فعلم أن المرخص سفر مقدر بتقدير معلوم وهو الخروج عن الوطن على قصد مسيرة ثلاثة أيام فصاعدا عندنا وعند الشافعي يوم وليلة وقد مضى الكلام في تقديره في كتاب الصلاة وكذا مطلق المرض ليس بسبب للرخصة لان الرخصة بسبب المرض والسفر لمعنى المشقة بالصوم تيسيرا لهما وتخفيفا عليهما على ما قال الله تعالى يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر ومن الأمراض ما ينفعه الصوم ويخفه ويكون الصوم على المريض أسهل من الاكل بل الاكل يضره ويشتد عليه ومن التعبد الترخص بما يسهل على المريض تحصيله والتضييق بما يشتد عليه وفى الآية دلالة وجوب القضاء على من أفطر بغير عذر لأنه لما وجب القضاء على المريض والمسافر مع أنهما أفطرا بسبب العذر المبيح للافطار فلان يجب على غير ذي العذر أولي وسواء كان السفر سفر طاعة أو مباح أو معصية عندنا وعند الشافعي سفر المعصية لا يفيد الرخصة والمسألة مضت في كتاب الصلاة والله أعلم وسواء سافر قبل دخول شهر رمضان أو بعده ان له أن يترخص فيفطر عند عامة الصحابة وعن علي وابن عباس رضي الله عنهما انه إذا أهل في المصر ثم سافر لا يجوز له أن يفطر وجه قولهما انه لما استهل في الحضر
(٩٤)