أبي حنيفة وصاحبيه ذكرناه فيما تقدم وأما صدقة التطوع فيجوز دفعها إلى هؤلاء والدفع إليهم أولى لان فيه أجرين أجر الصدقة وأجر الصلة وكونه دفعا إلى نفسه من وجه لا يمنع صدقة التطوع قال النبي صلى الله عليه وسلم نفقة الرجل على نفسه صدقة وعلى عياله صدقة وكل معروف صدقة ويجوز دفع الزكاة إلى من سوى الوالدين والمولودين من الأقارب ومن الاخوة والأخوات وغيرهم لانقطاع منافع الاملاك بينهم ولهذا تقبل شهادة البعض على البعض والله أعلم هذا الذي ذكرنا إذا دفع الصدقة إلى إنسان على علم منه بحاله انه محل الصدقة فاما ذا لم يعلم بحاله ودفع إليه فهذا على ثلاثة أوجه في وجه هو على الجواز حتى يظهر خطأه وفى وجه على الفساد حتى يظهر صوابه وفى وجه فيه تفصيل على الوفاق والخلاف أما الذي هو على الجواز حتى يظهر خطأه فهو أن يدفع زكاة ماله إلى رجل ولم يخطر بباله وقت الدفع ولم يشك في أمره فدفع إليه فهذا على الجواز الا إذا ظهر بعد الدفع انه ليس محل الصدقة فحينئذ لا يجوز لأن الظاهر أنه صرف الصدقة إلى محلها حيث نوى الزكاة عند الدفع والظاهر لا يبطل الا باليقين فإذا ظهر بيقين انه ليس بمحل الصدقة ظهر انه لم يجز وتجب عليه الإعادة وليس له أن يسترد ما دفع إليه ويقع تطوعا حتى أنه لو خطر بباله بعد ذلك وشك فيه ولم يظهر له شئ لا تلزمه الإعادة لأن الظاهر لا يبطل بالشك وأما الذي هو على الفساد حتى يظهر جوازه فهو انه خطر بباله وشك في أمره لكنه لم يتحر ولا طلب الدليل أو تحرى بقلبه لكنه لم يطلب الدليل فهو على الفساد الا إذا ظهر انه محل بيقين أو بغالب الرأي فحينئذ يجوز لأنه لما شك وجب عليه التحري والصرف إلى من وقع عليه تحريه فإذا ترك لم يوجد الصرف إلى من أمر بالصرف إليه فيكون فاسدا الا إذا ظهر انه محل فيجوز وأما الوجه الذي فيه تفصيل على الوفاق والخلاف فهو ان خطر بباله وشك في أمره وتحرى ووقع تحريه على أنه محل الصدقة فدفع إليه جاز بالاجماع وكذا ان لم يتحر ولكن سأل عن حاله فدفع أو رآه في صف الفقراء وعلى زي الفقراء فدفع فان ظهر انه كان محلا جاز بالاجماع وكذا إذا لم يظهر حاله عنده وأما إذا ظهر انه لم يكن محلا بان ظهر انه غنى أو هاشمي أو مولى لهاشمي أو كافرا ووالد أو مولود أو زوجة يجوز وتسقط عنه الزكاة في قول أبي حنيفة ومحمد ولا تلزمه الإعادة وعند أبي يوسف لا يجوز وتلزمه الإعادة وبه أخذ الشافعي وروى محمد بن شجاع عن أبي حنيفة في الوالد والولد والزوجة انه لا يجوز كما قال أبو يوسف ولو ظهر انه عبده أو مدبره أو أم ولده أو مكاتبه لم يجز وعليه الإعادة في قولهم جميعا ولو ظهر انه مستسعاه لم يجز عند أبي حنيفة لأنه بمنزلة المكاتب عنده وعندهما يجوز لأنه حر عليه دين وجه قول أبى يوسف ان هذا مجتهد ظهر خطأه بيقين فبطل اجتهاده وكما لو تحرى في ثياب أو أواني وظهر خطأه فيها وكما لو صرف ثم ظهر انه عبده أو مدبره أو أم ولده أو مكاتبه ولهما أنه صرف الصدقة إلى من أمر بالصرف إليه فيخرج عن العهدة كما إذا صرف ولم يظهر حاله بخلافه ودلالة ذلك أنه مأمور بالصرف إلى من هو محل عنده وفى ظنه واجتهاده لا على الحقيقة إذ لا علم له بحقيقة الغنا والفقر لعدم امكان الوقوف على حقيقتهما وقد صرف إلى من أدى اجتهاده انه محل فقد أتى بالمأمور به فيخرج عن العهدة بخلاف الثياب والأواني لان العلم بالثوب الطاهر والماء الطاهر ممكن فلم يأت بالمأمور به فلم يجز وبخلاف ما إذا ظهر انه عبده لان الوقوف على ذلك بامارات تدل عليه ممكن على أن معنى صرف الصدقة وهو التمليك هناك لا يتصور لاستحالة تمليك الشئ من نفسه وقوله ظهر خطأه بيقين ممنوع وإنما يكون كذلك ان لو قلنا إنه صار محل الصدقة باجتهاده فلا نقول كذلك بل المحل المأمور بالصرف إليه شرعا حالة الاشتباه وهو من وقع عليه التحري وعلى هذا لا يظهر خطأه ولهما في الصرف إلى ابنه وهو لا يعلم به الحديث المشهور وهو ما روى أن يزيد بن معن دفع صدقته إلى رجل وأمره بأن يأتي المسجد ليلا فيتصدق بها فدفعها إلى ابنه معن فلما أصبح رآها في يده فقال له لم أردك بها فاختصما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا معن لك ما أخذت ويا يزيد لك ما نويت والله أعلم * (فصل) * وأما حولان الحول فليس من شرائط جواز أداء الزكاة عند عامة العلماء وعند مالك من شرائط الجواز فيجوز تعجيل الزكاة عند عامة العلماء خلافا لمالك والكلام في التعجيل في مواضع في بيان أصل الجواز وفي بيان
(٥٠)