إلى ما لا يتناهى فلم يكن الرد مفيد الخلوة عن العاقبة الحميدة فكان سفها فلا يثبت لها حق الرد وكذلك الخلع والاعتاق على مال والصلح عن دم العمد لما قلنا بخلاف البيع انه يثبت فيه خيار الرؤية لان البيع ينفسخ برد المبيع ويرجع بالثمن فكان الرد مفيدا لذلك افترقا وهل يثبت خيار العيب في المهر ينظر في ذلك إن كان العيب يسيرا لا يثبت وإن كان فاحشا يثبت وكذلك هذا في بدل الخلع والاعتاق على مال والصلح عن دم العمد بخلاف البيع والإجارة وبدل الصلح على مال انه يرد بالعيب اليسير والفاحش لان هناك ينفسخ العقد برده وههنا لا ينفسخ وإذا لم ينفسخ فيقبض مثله فربما يجد فيه عيبا يسيرا أيضا لان الأعيان لا تخلو عن قليل عيب عادة فيرده ثم يقبض مثله فيؤدى إلى ما لا يتناهى فلا يفيد الرد وهذا المعنى لا يوجد في البيع والإجارة لأنه ينفسخ العقد بالرد فكان الرد مفيدا ولان حق الرد بالعيب إنما يثبت استدراكا للفائت وهو صفة السلامة المستحقة بالعقد والعيب إذا كان يسيرا لا يعرف الفوات بيقين لان العيب اليسير يدخل تحت تقويم المقومين لا يخلو عنه فمن مقوم يقومه بدون العيب بألف ومن مقوم يقومه مع العيب بألف أيضا فلا يعلم فوات صفة السلامة بيقين فلا حاجة إلى الاستدراك بالرد بخلاف العيب الفاحش لأنه لا يختلف فيه المقومون فكان الفوات حاصلا بيقين فتقع الحاجة إلى استدراك الفائت بالرد الا أن هذا المعنى الأخير يشكل بالبيع وأخواته فان العيب اليسير فيها يوجب حق الرد وإن كان هذا المعنى موجودا فيها فالأصح هو الوجه الأول ولا شفعة في المهر لان من شرائط ثبوت حق الشفعة معاوضة المال بالمال لما نذكره في كتاب الشفعة إن شاء الله تعالى والنكاح معاوضة البضع بالمال فلا يثبت فيه حق الشفعة * (فصل) * (وأما) بيان ما يتأكد به المهر فالمهر يتأكد بأحد معان ثلاثة الدخول والخلوة الصحيحة وموت أحد الزوجين سواء كان مسمى أو مهر المثل حتى لا يسقط شئ منه بعد ذلك الا بالابراء من صاحب الحق أما التأكد بالدخول فمتفق عليه والوجه فيه أن المهر قد وجب بالعقد وصار دينا في ذمته والدخول لا يسقطه لأنه استيفاء المعقود عليه واستيفاء المعقود عليه يقرر البدل لا أن يسقطه كما في الإجارة ولان المهر يتأكد بتسليم المبدل من غير استيفائه لما نذكر فلان يتأكد بالتسليم مع الاستيفاء أولى (وأما) التأكد بالخلوة فمذهبنا وقال الشافعي لا يتأكد المهر بالخلوة حتى لو خلا بها خلوة صحيحة ثم طلقها قبل الدخول بها في نكاح فيه تسمية يجب عليه كمال المسمى عندنا وعنده نصف المسمى وان لم يكن في النكاح تسمية يجب عليه كمال مهر المثل عندنا وعنده يجب عليه المتعة وعلى هذا الاختلاف وجوب العدة بعد الخلوة قبل الدخول عندنا تجب وعنده لا تجب واحتج بقوله تعالى وان طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم أوجب الله تعالى نصف المفروض في الطلاق قبل الدخول في نكاح فيه تسمية لان المراد من المس هو الجماع ولم يفصل بين حال وجود الخلوة وعدمها فمن أوجب كل المفروض فقد خالف النص وقوله تعالى لا جناح عليكم ان طلقتم النساء ما لم تمسوهن أو تفرضوا لهن أي ولم تفرضوا لهن فريضة فمتعوهن أوجب تعالى لهن المتعة في الطلاق في نكاح لا تسمية فيه مطلقا من غير فصل بين حال وجود الخلوة وعدمها وقوله عز وجل يا أيها الذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن فما لكم عليهن من عدة تعتدونها فمتعوهن فدلت الآية الشريفة على نفى وجوب العدة ووجوب المتعة قبل الدخول من غير فصل ولان تأكد المهر يتوقف على استيفاء المستحق بالعقد وهو منافع البضع واستيفاؤها بالوطئ ولم يوجد ولا ضرورة لها في التوقف لان الزوج لا يخلو إما أن يستوفى أو يطلق فان استوفى تأكد حقها وان طلق يفوت عليها نصف المهر لكن بعوض هو خير لها لان المعقود عليه يعود عليها سليما مع سلامة نصف المهر لها بخلاف الإجارة انه تتأكد الأجرة فيها بنفس التخلية ولا يتوقف التأكد على استيفاء المنافع لان في التوقف هناك ضرر بالآجر لان الإجارة مدة معلومة فمن الجائز أن يمنع المستأجر من استيفاء المنافع مدة الإجارة بعد التخلية فلو توقف تأكد الأجرة على حقيقة الاستيفاء وربما لا يستوفى لفائت المنافع عليه مجانا
(٢٩١)