بالبيت العتيق بل فيه عمل بهما جميعا ولو طاف في داخل الحجر فعليه أن يعيد لان الحطيم لما كان من البيت فإذا طاف في داخل الحطيم فقد ترك الطواف ببعض البيت والمفروض هو الطواف بكل البيت لقوله تعالى وليطوفوا بالبيت العتيق والأفضل ان يعيد الطواف كله مراعاة للترتيب فان أعاد على الحجر خاصة أجزأه لان المتروك هو لا غير وقد استدركه ولو لم يعد حتى عاد إلى أهله يجب عليه الدم لان الحطيم ربع البيت فقد ترك من طوافه ربعه * (فصل) * واما زمان هذا الطواف وهو وقته فأوله حين يطلع الفجر الثاني من يوم النحر بلا خلاف بين أصحابنا حتى لا يجوز قبله وقال الشافعي أول وقته منتصف ليلة النحر وهذا غير سديد لان ليلة النحر وقت ركن آخر وهو الوقوف بعرفة فلا يكون وقتا للطواف لان الوقت الواحد لا يكون وقتا لركنين وليس لآخره زمان معين موقت به فرضا بل جميع الأيام والليالي وقته فرضا بلا خلاف بين أصحابنا لكنه موقت بأيام النحر وجوبا في قول أبي حنيفة حتى لو أخره عنها فعليه دم عنده وفى قول أبى يوسف ومحمد غير موقت أصلا ولو أخره عن أيام النحر لا شئ عليه وبه أخذ الشافعي واحتجوا بما روى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عمن ذبح قبل أن يرمى فقال ارم ولا حرج وما سئل يومئذ عن أفعال الحج قدم شئ منها أو أخر الا قال افعل ولا حرج فهذا ينفى توقيت آخره وينفى وجوب الدم بالتأخير ولأنه لو توقت آخره لسقط بمضي آخره كالوقوف بعرفة فلما لم يسقط دل أنه لم يتوقت ولأبي حنيفة أن التأخير بمنزلة الترك في حق وجوب الجابر بدليل أن من جاوز الميقات بغير احرام ثم أحرم يلزمه دم ولو لم يوجد منه الا تأخير النسك وكذا تأخير الواجب في باب الصلاة بمنزلة الترك في حق وجوب الجابر وهو سجدتا السهو فكان الفقه في ذلك أن أداء الواجب كما هو واجب فمراعاة محل الواجب واجب فكان التأخير تركا للمراعاة الواجبة وهي مراعاته في محله والترك تركا لواجبين أحدهما أداء الواجب في نفسه والثاني مراعاته في محله فإذا ترك هذا الواجب يجب جبره بالدم وإذا توقت هذا الطواف بأيام النحر وجوبا عنده فإذا أخره عنها فقد ترك الواجب فأوجب ذلك نقصانا فيه فيجب جبره بالدم ولما لم يتوقت عندهما ففي أي وقت فعله فقد فعله في وقته فلا يتمكن فيه نقص فلا يلزمه شئ ولا حجة لهما في الحديث لان فيه نفى الحرج وهو نفى الاثم وانتفاء الاثم لا ينفى وجوب الكفارة كما لو حلق رأسه لأذى فيه أنه لا يأثم وعليه الدم كذا ههنا وقولهما انه لا يسقط بمضي آخر الوقت مسلم لكن هذا لا يمنع كونه موقتا وواجبا في الوقت كالصلوات المكتوبات انها لا تسقط بخروج أوقاتها وإن كانت موقتة حتى تقضى كذا هذا والأفضل هو الطواف في أول أيام النحر لقوله صلى الله عليه وسلم أيام النحر ثلاثة أولها أفضلها وقد روى أنه صلى الله عليه وسلم طاف في أول أيام النحر ومعلوم انه كان يأتي بالعبادات في أفضل أوقاتها ولان هذا الطواف يقع به تمام التحلل وهو التحلل من النساء فكان في تعجيله صيانة نفسه عن الوقوع في الجماع ولزوم البدنة فكان أولى * (فصل) * وأما مقداره فالمقدار المفروض منه هو أكثر الأشواط وهو ثلاثة أشواط وأكثر الشوط الرابع فأما الاكمال فواجب وليس بفرض حتى لو جامع بعد الاتيان بأكثر الطواف قبل الاتمام لا يلزمه البدنة وإنما تلزمه الشاة وهذا عندنا وقال الشافعي الفرض هو سبعة أشواط لا يتحلل بما دونها وجه قوله أن مقادير العبادات لا تعرف بالرأي والاجتهاد وإنما تعرف بالتوقيف ورسول الله صلى الله عليه وسلم طاف سبعة أشواط فلا يعتد بما دونها ولنا قوله تعالى وليطوفوا بالبيت العتيق والامر المطلق لا يقتضى التكرار الا أن الزيادة على المرة الواحدة إلى أكثر الأشواط ثبت بدليل آخر وهو الاجماع ولا اجماع في الزيادة على أكثر الأشواط ولأنه أتى بأكثر الطواف والأكثر يقوم مقام الكل فيما يقع به التحلل في باب الحج كالذبح إذا لم يستوف قطع العروق الأربعة وإنما كان المفروض هذا القدر فإذا أتى به فقد أتى بالقدر المفروض فيقع به التحلل فلا يلزمه البدنة بالجماع بعد ذلك لان ما زاد عليه إلى تمام السبعة فهو واجب وليس بفرض فيجب بتركه الشاة دون البدنة كرمي الجمار والله تعالى أعلم
(١٣٢)