فرض أو واجب على سبيل الكفاية احتج بالأوامر الواردة في باب النكاح والامر المطلق للفرضية والوجوب قطعا والنكاح لا يحتمل ذلك على طريق التعيين لان كل واحد من آحاد الناس لو تركه لا يأثم فيحمل على الفرضية والوجوب على طريق الكفاية فأشبه الجهاد وصلاة الجنازة ورد السلام ومن قال منهم انه واجب عينا لكن عملا لا اعتقادا على طريق التعيين يقول صيغة الامر المطلقة عن القرينة تحتمل الفرضية وتحتمل الندب لان الامر دعاء وطلب ومعنى الدعاء والطلب موجود في كل واحد منهما فيؤتى بالفعل لا محالة وهو تفسير وجوب العمل ويعتقد على الابهام على أن ما أراد الله تعالى بالصيغة من الوجوب القطعي أو الندب فهو حق لأنه إن كان واجبا عند الله فخرج عن العهدة بالفعل فيأمن الضرر وإن كان مندوبا يحصل له الثواب فكان القول بالوجوب على هذا الوجه أخذا بالثقة والاحتياط واحترازا عن الضرر بالقدر الممكن وانه واجب شرعا وعقلا وعلى هذا الأصل بنى أصحابنا من قال منهم ان النكاح فرض أو واجب لان الاشتغال به مع أداء الفرائض والسنن أولى من التخلي لنوافل العبادات مع ترك النكاح وهو قول أصحاب الظواهر لان الاشتغال بالفرض والواجب كيف ما كان أولى من الاشتغال بالتطوع ومن قال منهم انه مندوب ومستحب فإنه يرجحه على النوافل من وجوه أخر أحدها انه سنة قال النبي صلى الله عليه وسلم النكاح سنتي والسنن مقدمة على النوافل بالاجماع ولأنه أوعد على ترك السنة بقوله فمن رغب عن سنتي فليس منى ولا وعيد على ترك النوافل والثاني انه فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم وواظب عليه أي دوام وثبت عليه بحيث لم يخل عنه بل كان يزيد عليه حتى تزوج عددا مما أبيح له من النساء ولو كان التخلي للنوافل أفضل لما فعل لأن الظاهر أن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام لا يتركون الأفضل فيما له حد معلوم لان ترك الأفضل فيما له حد معلوم عدزلة منهم وإذا ثبت أفضلية النكاح في حق النبي صلى الله عليه وسلم ثبت في حق الأمة لان الأصل في الشرائع هو العموم والخصوص بدليل والثالث انه سبب يتوصل به إلى مقصود هو مفضل على النوافل لأنه سبب لصيانة النفس عن الفاحشة وسبب لصيانة نفسها عن الهلاك بالنفقة والسكنى واللباس لعجزها عن الكسب وسبب لحصول الولد الموحد وكل واحد من هذه المقاصد مفضل على النوافل فكذا السبب الموصل إليه كالجهاد والقضاء وعند الشافعي التخلي أولى وتخريج المسألة على أصله ظاهر لان النوافل مندوب إليها فكانت مقدمة على المباح وما ذكره من دلائل الإباحة والحل فنحن نقول بموجبها ان النكاح مباح وحلال في نفسه لكنه واجب لغيره أو مندوب ومستحب لغيره من حيث إنه صيانة للنفس من الزنا ونحو ذلك على ما بينا ويجوز أن يكون الفعل الواحد حلالا بجهة واجبا أو مندوبا إليه بجهة إذ لا تنافى عند اختلاف الجهتين وأما قوله عز وجل وسيد أو حصور أو نبيا من الصالحين فاحتمل أن التخلي للنوافل كان أفضل من النكاح في شريعته ثم نسخ ذلك في شريعتنا بما ذكرنا من الدلائل والله أعلم * (فصل) * وأما ركن النكاح فهو الايجاب والقبول وذلك بألفاظ مخصوصة أو ما يقوم مقام اللفظ فيقع الكلام في هذا الفصل في أربعة مواضع أحدها في بيان اللفظ الذي ينعقد النكاح به بحروفه والثاني في بيان صيغة ذلك اللفظ والثالث في بيان أن النكاح هل ينعقد بعاقد واحدا ولا ينعقد الا بعاقدين والرابع في بيان صفة الايجاب والقبول أما بيان اللفظ الذي ينعقد به النكاح بحروفه فنقول وبالله التوفيق لا خلاف أن النكاح ينعقد بلفظ الانكاح والتزويج وهل ينعقد بلفظ البيع والهبة والصدقة والتمليك قال أصحابنا رحمهم الله ينعقد وقال الشافعي لا ينعقد الا بلفظ الانكاح والتزويج واحتج بما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال اتقوا الله في النساء فإنهن عندكم عوان اتخذتموهن بأمانة الله واستحللتم فروجهن بكلمة الله وكلمته التي أحل بها الفروج في كتابه الكريم لفظ الانكاح والتزويج فقط قال الله تعالى وأنكحوا الأيامى منكم وقال سبحانه وتعالى
(٢٢٩)