الولاية هم العصبات فإن كان الرأي وتدبير القبيلة وصيانتها عما يوجب العار والشين إليهم فكانوا هم الذين يحرزون عن ذلك بالنظر والتأمل في أمر النكاح فكانوا هم المحقين بالولاية ولهذا كانت قرابة التعصيب مقدمة على قرابة الرحم بالاجماع ولأبي حنيفة عموم قوله تعالى وانكحوا الأيامى منكم والصالحين من غير فصل بين العصبات وغيرهم فتثبت ولاية الانكاح على العموم الا من خص بدليل ولان سبب ثبوت الولاية هو مطلق القرابة وذاتها لما بينا أن القرابة حاملة على الشفقة في حق القريب داعية إليها وقد وجد ههنا فوجد السبب ووجد شرط الثبوت أيضا وهو عجز المولى عليه عن المباشرة بنفسه وإنما العصوبة وقرب القرابة شرط التقدم لا شرط ثبوت أصل الولاية فلا جرم العصبة تتقدم على ذي الرحم والأقرب من غير العصبة يتقدم على الابعد ولأن ولاية الانكاح مرتبة على استحقاق الميراث لاتحاد سبب ثبوتها وهو القرابة فكل من استحق من الميراث استحق الولاية ألا ترى أن الأب إذا كان عبدا لا ولاية له لان العبد لا يرث أحدا وكذا إذا كان كافرا والمولى عليه مسلم لا ولاية له لأنه لا يرثه وكذا إذا كان مسلما والمولى عليه كافر لا ولاية له لأنه لا ميراث له منه فثبت أن الولاية تدور مع استحقاق الميراث فثبت لكل قريب يرث يزوج ولا يلزم على هذه القاعدة المولى انه يزوج ولا يرث وكذا الامام يزوج ولا يرث لان هذا عكس العلة لان طرد ما قلنا إن كل من يرث يزوج وهذا مطرد على أصل أبي حنيفة وعكسه ان كل من لا يرث لا يزوج والشرط في العلل الشرعية الاطراد دون الانعكاس لجواز اثبات الحكم الشرعي بعلل ثم نقول ما قلناه منعكس أيضا ألا ترى أن للمولى الولاء في مملوكه وهو نوع ارث وأما الامام فهو نائب عن جماعة المسلمين وهم يرثون من لا ولى له من جهة الملك والقرابة والولاء ألا ترى أن ميراثه لبيت المال وبيت المال ما لهم فكانت الولاية في الحقيقة لهم وإنما الامام نائب عنهم فيتزوجون ويرثون أيضا فاطرد هذا الأصل وانعكس بحمد الله تعالى وأما قول علي رضي الله عنه النكاح إلى العصبات فالمراد منه حال وجود العصبة لاستحالة تفويض النكاح إلى العصبة ولا عصبة ونحن به نقول إن النكاح إلى العصبات حال وجود العصبة ولا كلام فيه والله أعلم * (فصل) * وأما الذي يرجع إلى المولى عليه فنقول الولاية بالنسبة إلى المولى عليه نوعان ولاية حتم وايجاب وولاية ندب واستحباب وهذا على أصل أبي حنيفة وأبى يوسف الأول وأما على أصل محمد فهي نوعان أيضا ولاية استبداد وولاية شركة وهي قول أبى يوسف الآخر وكذا نقول الشافعي الا أن بينهما اختلاف في كيفية الشركة على ما نذكر إن شاء الله وأما ولاية الحتم والايجاب والاستبداد فشرط ثبوتها على أصل أصحابنا كون المولى عليه صغيرا أو صغيرة أو مجنونا كبيرا أو مجنونة كبيرة سواء كانت الصغيرة بكرا أو ثيبا فلا تثبت هذه الولاية على البالغ العاقل ولا على العاقلة البالغة وعلى أصل الشافعي شرط ثبوت ولاية الاستبداد في الغلام هو الصغر وفى الجارية البكارة سواء كانت صغيرة أو بالغة فلا تثبت هذه الولاية عنده على الثيب سواء كانت بالغة أو صغيرة والأصل ان هذه الولاية على أصل أصحابنا تدور مع الصغر وجودا وعدما في الصغير والصغيرة وعنده في الصغير كذلك اما في الصغيرة فإنها تدور مع البكارة وجودا وعدما وفى الكبير والكبيرة تدور مع الجنون وجودا وعدما سواء كان الجنون أصليا بأن بلغ مجنونا أو عارضا بأن طرأ بعد البلوغ عندنا وقال زفر إذا طرأ الجنون لم يجز للمولى التزويج وعلى هذا يبتنى أن الأب والجد لا يملكان انكاح البكر البالغة بغير رضاها عندنا وقال الشافعي يملكانه ولا خلاف في أنهما لا يملكان انكاح الثيب البالغة بغير رضاها (وجه) قوله إن البكر وإن كانت عاقلة بالغة فلا تعلم بمصالح النكاح لان العلم بها يقف على التجربة
(٢٤١)