أنواعه وفي بيان ما يحل اصطياده للمحرم وما يحرم عليه وفي بيان حكم ما يحرم عليه اصطياده إذا اصطاده اما الأول فالصيد هو الممتنع المتوحش من الناس في أصل الخلقة اما بقوائمه أو بجناحه فلا يحرم على المحرم ذبح الإبل والبقر والغنم لأنها ليست بصيد لعدم الامتناع والتوحش من الناس وكذا الدجاج والبط الذي يكون في المنازل وهو المسمى بالبط الكسكرى لانعدام معنى الصيد فيهما وهو الامتناع والتوحش فاما البط الذي يكون عند الناس ويطير فهو صيد لوجود معنى الصيد فيه والحمام المسرول صيد وفيه الجزاء عند عامة العلماء وعند مالك ليس بصيد وجه قوله إن الصيد اسم للمتوحش والحمام المسرول مستأنس فلا يكون صيدا كالدجاج والبط الذي يكون في المنازل ولنا ان جنس الحمام متوحش في أصل الخلقة وإنما يستأنس البعض منه بالتولد والتأنيس مع بقائه صيدا كالظبية المستأنسة والنعامة المستأنسة والطوطى ونحو ذلك حتى يجب فيه الجزاء وكذا المستأنس في الخلقة قد يصير مستوحشا كالإبل إذا توحشت وليس له حكم الصيد حتى لا يجب فيه الجزاء فعلم أن العبرة بالتوحش والاستئناس في أصل الخلقة وجنس الحمام متوحش في أصل الخلقة وإنما يستأنس البعض منه لعارض فكان صيدا بخلاف البط الذي يكون عند الناس في المنازل فان ذلك ليس من جنس المتوحش بل هو من جنس آخر والكلب ليس بصيد لأنه ليس بمتوحش بل هو مستأنس سواء كان أهليا أو وحشيا لان الكلب أهلي في الأصل لكن ربما يتوحش لعارض فأشبه الإبل إذا توحشت وكذا السنور الأهلي ليس بصيد لأنه مستأنس وأما البري ففيه روايتان روى هشام عن أبي حنيفة ان فيه الجزاء وروى الحسن عنه انه لا شئ فيه كالأهلي وجه رواية هشام انه متوحش فأشبه الثعلب ونحوه وجه رواية الحسن ان جنس السنور مستأنس في أصل الخلقة وإنما يتوحش البعض منه لعارض فأشبه البعير إذا توحش ولا بأس بقتل البرغوث والبعوض والنملة والذباب والحلم والقراد والزنبور لأنها ليست بصيد لانعدام التوحش والامتناع الا ترى انها تطلب الانسان مع امتناعه منها وقد روى عن عمر رضي الله عنه انه كان يقرد بعيره وهو محرم ولأن هذه الأشياء من المؤذيات المبتدئة بالأذى غالبا فالتحقت بالمؤذيات المنصوص عليها من الحية والعقرب وغيرهما ولا يقتل القملة لا لأنها صيد بل لما فيها من إزالة التفت لأنه متولد من البدن كالشعر والمحرم منهى عن إزالة التفث من بدنه فان قتلها تصدق بشئ كما لو أزال شعرة ولم يذكر في ظاهر الرواية مقدار الصدقة وروى الحسن عن أبي حنيفة أنه قال إذا قتل المحرم قملة أو ألقاها أطعم كسرة وإن كانتا اثنتين أو ثلاثا أطعم قبضة من الطعام وإن كانت كبيرة أطعم نصف صاع وكذا لا يقتل الجرادة لأنها صيد البر اما كونه صيدا فلانه متوحش في أصل الخلقة واما كونه صيد البر فلان توالده في البر ولذا لا يعيش الا في البر حتى لو وقع في الماء يموت فان قتلها تصدق بشئ من الطعام وقد روى عن عمر أنه قال تمرة خير من جرادة ولا بأس له بقتل هوام الأرض من الفأرة والحية والعقرب والخنافس والجعلان وأم حنين وصياح الليل والصرصر ونحوها لأنها ليست بصيد بل من حشرات الأرض وكذا القنفذ وابن عرس لأنهما من الهوام حتى قال أبو يوسف ابن عرس من سباع الهوام والهوام ليست بصيد لأنها لا تتوحش من الناس وقال أبو يوسف في القنفذ الجزاء لأنه من جنس المتوحش ولا يبتدئ بالأذى * (فصل) * وأما بيان أنواعه وبيان ما يحل للمحرم اصطياده وما يحرم عليه من كل نوع فنقول وبالله التوفيق الصيد في الأصل نوعان برى وبحري فالبحري هو الذي توالده في البحر سواء كان لا يعيش الا في البحر أو يعيش في البحر والبر والبري ما يكون توالدة في البر سواء كان لا يعيش الا في البر أو يعيش في البر والبحر فالعبرة للتوالد اما صيد البحر فيحل اصطياده للحلال والمحرم جميعا مأكولا كان أو غير مأكول لقوله تعالى أحل لكم صيد البحر وطعامه متاعا لكم وللسيارة والمراد منه اصطياد ما في البحر لان الصيد مصدر يقال صاد يصيد صيدا واستعماله في المصيد مجاز والكلام بحقيقته إباحة اصطياد ما في البحر عاما وأما صيد البر فنوعان مأكول وغير مأكول اما المأكول فلا يحل للمحرم اصطياده نحو الظبي والأرنب وحمار الوحش وبقر الوحش والطيور التي
(١٩٦)