أن لا يكون مأثما وينام في المسجد والمراد من البيع والشراء هو كلام الايجاب والقبول من غير نقل الأمتعة إلى المسجد لان ذلك ممنوع عنه لأجل المسجد لما فيه من اتخاذ المسجد متجرا لا لأجل الاعتكاف وحكى عن مالك أنه لا يجوز البيع في المسجد كأنه يشير إلى ما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال جنبوا مساجدكم صبيانكم ومجانينكم وبيعكم وشراءكم ورفع أصواتكم وسل سيوفكم (ولنا) عمومات البيع والشراء من الكتاب الكريم والسنة من غير فصل بين المسجد وغيره وروى عن علي رضي الله عنه أنه قال لابن أخيه جعفر هلا اشتريت خادما قال كنت معتكفا قال وماذا عليك لو اشتريت أشار إلى جواز الشراء في المسجد وأما الحديث فمحمول على اتخاذ المساجد متاجر كالسوق يباع فيها وتنقل الأمتعة إليها أو يحمل على الندب والاستحباب توفيقا بين الدلائل بقدر الامكان وأما النكاح والرجعة فلان نصوص النكاح والرجعة لا تفصل بين المسجد وغيره من نحو قوله تعالى فانكحوا ما طاب لكم من النساء ونحو ذلك وقوله تعالى فأمسكوهن بمعروف ونحو ذلك وكذا الأكل والشرب واللبس والطيب والنوم لقوله تعالى وكلوا واشربوا وقوله تعالى يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد وقوله تعالى قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق وقوله عز وجل وجعلنا نومكم سباتا وقد روى أن النبي كان يفعل ذلك في حال اعتكافه في المسجد مع ما ان الأكل والشرب والنوم في المسجد في حال الاعتكاف لو منع منه لمنع من الاعتكاف إذ ذلك أمر لا بد منه وأما التكلم بما لا مأثم فيه فلقوله تعالى يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا قيل في بعض وجوه التأويل أي صدقا وصوابا لا كذبا ولا فحشا وقد روى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يتحدث مع أصحابه ونسائه رضي الله عنهم وهو معتكف في المسجد فاما التكلم بما فيه مأثم فإنه لا يجوز في غير المسجد ففي المسجد أولى وله أن يحرم في اعتكافه بحج أو عمرة وإذا فعل لزمه الاحرام وأقام في اعتكافه إلى أن يفرغ منه ثم يمضى في احرامه الا أن يخاف فوت الحج فيدع الاعتكاف ويحج ثم يستقبل الاعتكاف أما صحة الاحرام في حال الاعتكاف فلانه لا تنافى بينهما ألا ترى ان الاعتكاف ينعقد مع الاحرام فيبقى معه أيضا وإذا صح احرامه فإنه يتم الاعتكاف ثم يشتغل بافعال الحج لأنه يمكنه الجمع بينهما وأما إذا خاف فوت الحج فإنه يدع الاعتكاف لان الحج يفوت والاعتكاف لا يفوت فكان الاشتغال بالذي يفوت أولى ولان الحج آكد وأهم من الاعتكاف فالاشتغال به أولى وإذا ترك الاعتكاف يقضيه بعد الفراغ من الحج والله أعلم * (فصل) * وأما بيان حكمه إذا فسد فالذي فسد لا يخلو اما أن يكون واجبا وأعنى به المنذور واما أن يكون تطوعا فإن كان واجبا يقضى إذا قدر على القضاء الا الردة خاصة لأنه إذا فسد التحق بالعدم فصار فائتا معنى فيحتاج إلى القضاء جبرا للفوات ويقضى بالصوم لأنه فاته مع الصوم فيقضيه مع الصوم غير أن المنذور به إن كان اعتكاف شهر بعينه يقضى قدر ما فسد لا غير ولا يلزمه الاستقبال كالصوم المنذور به في شهر بعينه إذا أفطر يوما انه يقضى ذلك اليوم ولا يلزمه الاستئناف كما في صوم رمضان لما ذكرنا في كتاب الصوم وإذا كان اعتكاف شهر بغير عينه يلزمه الاستقبال لأنه يلزمه متتابعا فيراعى فيه صفة التتابع وسواء فسد بصنعه من غير عذر كالخروج والجماع والأكل والشرب في النهار الا الردة أو فسد بصنعه لعذر كما إذا مرض فاحتاج إلى الخروج فخرج أو بغير صنعه رأسا كالحيض والجنون والاغماء الطويل لان القضاء يجب جبرا للفائت والحاجة إلى الجبر متحققة في الأحوال كلها الا أن سقوط القضاء في الردة عرف بالنص وهو قوله تعالى قل للذين كفروا ان ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف وقول النبي صلى الله عليه وسلم الاسلام يجب ما قبله والقياس في الجنون الطويل ان يسقط القضاء كما في صوم رمضان الا ان في الاستحسان يقضى لان سقوط القضاء في صوم رمضان إنما كان لدفع الحرج لان الجنون إذا طال قلما يزول فيتكرر عليه صوم رمضان فيحرج في قضائه وهذا المعنى لا يتحقق في الاعتكاف وأما اعتكاف التطوع إذا قطعه قبل تمام اليوم فلا شئ عليه في رواية الأصل وفى رواية الحسن يقضى بناء على أن اعتكاف التطوع غير معتد في رواية محمد عن أبي حنيفة وفى رواية الحسن عنه مقدر بيوم وقد ذكرنا الوجه للروايتين فيما تقدم وأما حكمه إذا
(١١٧)