فقد ذكرناه وأما النوع الثاني وهو خمس الغنائم والمعادن والركاز فنذكر مصرفه في كتاب السير وأما مصرف النوع الثالث من الخراج وأخواته فعمارة الدين واصلاح مصالح المسلمين وهو رزق الولاة والقضاة وأهل الفتوى من العلماء والمقاتلة ورصد الطرز وعمارة المساجد والرباطات والقناطر والجسور وسد الثغور واصلاح الأنهار التي لا ملك لاحد فيها وأما النوع الرابع فيصرف إلى دواء الفقراء والمرضى وعلاجهم والى أكفان الموتى الذين لا مال لهم والى نفقة اللقيط وعقل جنايته والى نفقة من هو عاجز عن الكسب وليس له من تجب عليه نفقته ونحو ذلك وعلى الامام صرف هذه الحقوق إلى مستحقيها والله أعلم * (فصل) * وأما الزكاة الواجبة وهي زكاة الرأس فهي صدقة الفطر والكلام فيها يقع في مواضع في بيان وجوبها وفي بيان كيفية الوجوب وفي بيان من تجب عليه وفي بيان من تجب عنه وفي بيان جنس الواجب وقدره وصفته وفي بيان وقت الوجوب وفي بيان وقت الأداء وفي بيان ركنها وفي بيان شرائط الركن وهي شرائط جواز الأداء وفي بيان مكان الأداء وفي بيان ما يسقطها بعد الوجوب أما الأول فالدليل على وجوبها ما روى عن ثعلبة بن صعير العذري أنه قال خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال في خطبته أدوا عن كل حر وعبد صغير وكبير نصف صاع من بر أو صاعا من تمر أو صاعا من شعير أمر بالأداء ومطلق الامر للوجوب وإنما سمينا هذا النوع واجبا لا فرضا لان الفرض اسم لما ثبت لزومه بدليل مقطوع به ولزوم هذا النوع من الزكاة لم يثبت بدليل مقطوع به بل بدليل فيه شبهة العدم وهو خبر الواحد وما روى في الباب عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه أنه قال فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم صدقة الفطر على الذكر والأنثى والحر والعبد صاعا من تمر أو صاعا من شعير فالمراد من قوله فرض أي قدر أداء الفطر والفرض في اللغة التقدير قال الله تعالى فنصف ما فرضتم أي قدرتم ويقال فرض القاضي النفقة بمعنى قدرها فكان في الحديث تقدير الواجب بالمذكور لا الايجاب قطعا والله تعالى أعلم * (فصل) * وأما كيفية وجوبها فقد اختلف أصحابنا فيه قال بعضهم إنما يجب وجوبا مضيقا في يوم الفطر عينا وقال بعضهم يجب وجوبا موسعا في العمر كالزكاة والنذور والكفارات ونحوها وهذا هو الصحيح لان الامر بأدائها مطلق عن الوقت فلا يتضيق الوجوب الا في آخر العمر كالأمر بالزكاة وسائر الأوامر المطلقة عن الوقت * (فصل) * وأما بيان من تجب عليه فيتضمن بيان شرائط الوجوب وأنها أنواع منها الاسلام فلا تجب على الكافر لأنه لا سبيل إلى الايجاب في حالة الكفر لان فيها معنى العبادة حتى لا تتأدى بدون النية والكافر ليس من أهل العبادة ولا تجب بدون الاسلام بالاجماع وايجاب فعل لا يقدر المكلف على أدائه في الحال وفى الثاني تكليف ما ليس في الوسع لهذا قلنا إن الكفار ليسوا مخاطبين بشرائع هي عبادات ومنها الحرية عندنا فلا تجب على العبد وقال الشافعي الحرية ليست من شرائط الوجوب وتجب الفطرة على العبد ويتحملها المولى عنه واحتج بما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال أدوا عن كل حر وعبد والأداء عنه ينبئ عن التحمل عنه وانه يقتضى الوجوب عليه ولنا ان الوجوب هو وجوب الأداء ولا سبيل إلى ايجاب الأداء على العبد لان العبد لا يكلف بأدائها في الحال ولا بعد العتق وايجاب فعل لا سبيل إلى أدائه رأسا ممتنع بخلاف الصبي الغنى إذا لم يخرج وليه عنه على أصل أبي حنيفة وأبى يوسف انه يلزمه الأداء لأنه يقدر على أدائه بعد البلوغ وأما الحديث فلم قلتم ان الأداء عنه يقتضى الوجوب عليه وسنذكر معناه ومنها الغنا فلا يجب الأداء الا على الغنى وهذا عندنا وقال الشافعي لا يشترط لوجوبها الغنا وتجب على الفقير الذي له زيادة على قوت يومه وقوت عياله وجه قوله إن وجوبها ثبت مطهرة للصائم ومعنى المطهرة لا يختلف بالغنا والفقر ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم لا صدقة الا عن ظهر غنى وقد بينا حد الغنا الذي يجب به صدقة الفطر في زكاة المال ثم الغنا شرط الوجوب لا شرط بقاء الواجب حتى لو افتقر بعد يوم الفطر لا يسقط الواجب لان هذا الحق يجب في الذمة لا في المال فلا يشترط لبقائه بقاء المال بخلاف الزكاة وأما العقل والبلوغ فليسا من شرائط الوجوب في قول أبي حنيفة وأبى يوسف حتى تجب صدقة الفطر على الصبي والمجنون إذا كان
(٦٩)