رواية أخرى عن أبي حنيفة أنه يجوز نكاحها ولكنها لا توطأ حتى تضع (وجه) هذه الرواية ان ماء الحربي لا حرمة له فكان بمنزلة ماء الزاني وذا لا يمنع جواز النكاح كذا هذا الا أنها لا توطأ حتى تضع لما روينا (وجه) الرواية الأخرى ان هذا حمل ثابت النسب لان انساب أهل الحرب ثابتة فيمنع جواز النكاح كسائر الأحمال الثابتة النسب والطحاوي اعتمد رواية أبى يوسف والكرخي رواية محمد وهي المعتمد عليها لان حرمة نكاح الحامل ليست لمكان العدة لا محالة فإنها قد تثبت عند عدم العدة كأم الولد إذا كانت حاملا من مولاها بل لثبوت نسب الحمل كما في أم الولد والحمل ههنا ثابت النسب فيمنع النكاح وعلى هذا نكاح المسبية دون الزوج إذا كانت حاملا وأخرجت إلى دار الاسلام يجب أن يكون على اختلاف الرواية ولا خلاف في أنه لا يحل وطؤها قبل الوضع ولا قبل الاستبراء بحيضة إذا كانت حاملا والأصل فيه ما روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال في سبايا أو طاس الا لا توطأ الحبالى حتى يضعن ولا الحيالى حتى يستبرأن بحيضة * (فصل) * ومنها أن يكون للزوجين ملة يقران عليها فإن لم يكن بأن كان أحدهما مرتدا لا يجوز نكاحه أصلا لا بمسلم ولا بكافر غير مرتد والمرتد مثله لأنه ترك ملة الاسلام ولا يقر على الردة بل يجبر على الاسلام اما بالقتل إن كان رجلا بالاجماع واما بالحبس والضرب إن كانت امرأة عندنا إلى أن تموت أو تسلم فكانت الردة في معنى الموت لكونها سببا مفضيا إليه والميت لا يكون محلا للنكاح ولان ملك النكاح ملك معصوم ولا عصمة مع المرتدة ولان نكاح المرتد لا يقع وسيلة إلى المقاصد المطلوبة منه لأنه يجبر على الاسلام على ما بينا فلا يفيد فائدته فلا يجوز والدليل عليه أن الردة لو اعترضت على النكاح رفعته فإذا قارنته تمنعه من الوجود من طريق الأولى كالرضاع لان المنع أسهل من الرفع * (فصل) * ومنها أن لا تكون المرأة مشركة إذا كان الرجل مسلما فلا يجوز للمسلم أن ينكح المشركة لقوله تعالى ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن ويجوز أن ينكح الكتابية لقوله عز وجل والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم والفرق ان الأصل أن لا يجوز للمسلم أن ينكح الكافرة لان ازدواج الكافرة والمخالطة معها مع قيام العداوة الدينية لا يحصل السكن والمودة الذي هو قوام مقاصد النكاح الا أنه جوز نكاح الكتابية لرجاء اسلامها لأنها آمنت بكتب الأنبياء والرسل في الجملة وإنما نفضت الجملة بالتفصيل بناء على أنها أخبرت عن الامر على خلاف حقيقته فالظاهر أنها متى نبهت على حقيقة الامر تنبهت وتأتي بالايمان على التفصيل على حسب ما كانت أتت به على الجملة هذا هو الظاهر من حال التي بنى أمرها على الدليل دون الهوى والطبع والزوج يدعوها إلى الاسلام وينبهها على حقيقة الامر فكان في نكاح المسلم إياها رجاء اسلامها فجوز نكاحها لهذه العاقبة الحميدة بخلاف المشركة فإنها في اختيارها الشرك ما ثبت أمرها على الحجة بل على التقليد بوجود الاباء عن ذلك من غير أن ينتهى ذلك الخبر ممن يجب قبول قوله واتباعه وهو الرسول فالظاهر أنها لا تنظر في الحجة ولا تلتفت إليها عند الدعوة فيبقى ازدواج الكافر مع قيام العداوة الدينية المانعة عن السكن والازدواج والمودة خاليا عن العاقبة الحميدة فلم يجزا نكاحها وسواء كانت الكتابية حرة أو أمة عندنا وقال الشافعي لا يجوز نكاح الأمة الكتابية ويحل وطؤها بملك اليمين واحتج بقوله تعالى ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن والكتابية مشركة على الحقيقة لان المشرك من يشرك بالله تعالى في الألوهية وأهل الكتاب كذلك قال الله تعالى وقالت اليهود عزير ابن الله وقالت النصارى المسيح ابن الله وقالت النصارى ان الله ثالث ثلاثة سبحانه وتعالى عما يقولون فعموم النص يقتضى حرمة نكاح جميع المشركات الا أنه خص منه الحرائر من الكتابيات بقوله تعالى والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم وهن الحرائر فبقيت الإماء منهن على ظاهر العموم ولأن جواز نكاح الإماء في الأصل ثبت بطريق الضرورة لما ذكرنا فيما تقدم والضرورة تندفع بنكاح الأمة المؤمنة
(٢٧٠)