المسلمين بزكاة الورق وأموال التجارة ولكن الناس كانوا يعطون ذلك ومنهم من كان يحمل إلى الأئمة فيقبلون منه ذلك ولا يسألون أحدا عن مبلغ ماله ولا يطالبونه بذلك الا ما كان من توجيه عمر رضي الله عنه العشار إلى الأطراف وكان ذلك منه عندنا والله أعلم عمن بعد داره وشق عليه أن يحمل صدقته إليه وقد جعل في كل طرف من الأطراف عاشر التجار أهل الحرب والذمة وأمر أن يأخذوا من تجار المسلمين ما يدفعونه إليه وكان ذلك من عمر تخفيفا على المسلمين الا أن على الامام مطالبة أرباب الأموال العين وأموال التجارة بأداء الزكاة إليهم سوى المواشي والانعام وأن مطالبة ذلك إلى الأئمة الا أن يأتي أحدهم إلى الامام بشئ من ذلك فيقبله ولا يتعدى عما جرت به العادة والسنة إلى غيره وأما سلاطين زماننا الذين إذا أخذوا الصدقات والعشور والخراج لا يضعونها مواضعها فهل تسقط هذه الحقوق عن أربابها اختلف المشايخ فيه ذكر الفقيه أبو جعفر الهندواني أنه يسقط ذلك كله وإن كانوا لا يصنعونها في أهلها لان حق الاخذ لهم فيسقط عنا بأخذهم ثم إنهم ان لم يضعوها مواضعها فالوبال عليهم وقال الشيخ أبو بكر بن سعيد ان الخراج يسقط ولا تسقط الصدقات لان الخراج يصرف إلى المقاتلة وهم يصرفون إلى المقاتلة ويقاتلون العدو ألا ترى انه لو ظهر العدو فإنهم يقاتلون ويذبون عن حريم المسلمين فاما الزكوات والصدقات فإنهم لا يضعونها في أهلها وقال أبو بكر الإسكاف ان جميع ذلك يسقط ويعطى ثانيا لأنهم لا يضعونها مواضعها ولو نوى صاحب المال وقت الدفع انه يدفع إليهم ذلك عن زكاة ماله قيل يجوز لأنهم فقراء في الحقيقة ألا ترى انهم لو أدوا ما عليهم من التبعات والمظالم صاروا فقراء وروى عن أبي مطيع البلخي أنه قال تجوز الصدقة لعلي بن عيسى بن هامان وكان والى خراسان وإنما قال ذلك لما ذكرنا وحكى ان أميرا ببلخ سأل واحدا من الفقهاء عن كفارة يمين لزمته فأمره بالصيام فبكى الأمير وعرف أنه يقول لو أديت ما عليك من التبعات والمظلمة لم يبق لك شئ وقيل إن السلطان لو أخذ مالا من رجل بغير حق مصادرة فنوى صاحب المال وقت الدفع أن يكون ذلك عن زكاة ماله وعشر أرضه يجوز ذلك والله أعلم * (فصل) * وأما شرط ولاية الآخذ فأنواع منها وجود الحماية من الامام حتى لو ظهر أهل البغي على مدينة من مدائن أهل العدل أو قرية من قراهم وغلبوا عليها فأخذوا صدقات سوائمهم وعشور أراضيهم وخراجها ثم ظهر عليهم امام العدل لا يأخذ منهم ثانيا لان حق الاخذ للامام لأجل الحفظ والحماية ولم يوجد الا انهم يفتون فيما بينهم وبين ربهم أن يؤدوا الزكاة والعشور ثانيا وسكت محمد عن ذكر الخراج واختلف مشايخنا قال بعضهم عليهم أن يعيدوا الخراج كالزكاة والعشور وقال بعضهم ليس عليهم الإعادة لان الخراج يصرف إلى المقاتلة وأهل البغي يقاتلون العدو ويذبون عن حريم الاسلام ومنها وجوب الزكاة لان المأخوذ زكاة والزكاة في عرف الشرع اسم للواجب فلا بد من تقديم الوجوب فتراعى له شرائط الوجوب وهي ما ذكرنا من الملك المطلق وكمال النصاب وكونه معدا للنماء وحولان الحول وعدم الدين المطالب به من جهة العباد وأهلية الوجوب ونحو ذلك ومنها ظهور المال وحضور المالك حتى لو حضر المالك ولم يظهر ماله لا يطالب بزكاته لأنه إذا لم يظهر ماله لا يدخل تحت حماية السلطان وكذا إذا ظهر المال ولم يحضر المالك ولا المأذون من جهة المالك كالمستبضع ونحوه لا يطالب بزكاته وبيان هذه الجملة إذا جاء الساعي إلى صاحب المواشي في أماكنها يريد أخذ الصدقة فقال ليست هي مالي أو قال لم يحل عليها الحول أو قال على دين يحيط بقيمتها فالقول قوله لأنه ينكر وجوب الزكاة ويستحلف لأنه تعلق به حق العبد وهو مطالبة الساعي فيكون القول قوله مع يمينه ولو قال أديت إلى مصدق آخر فإن لم يكن في تلك السنة مصدق آخر لا يصدق لظهور كذبه بيقين وإن كان في تلك السنة مصدق آخر يصدق مع اليمين سواء أتى بخط وبراءة أو لم يأت به في ظاهر الرواية وروى الحسن عن أبي حنيفة انه لا يصدق ما لم يأت بالبراءة وجه هذه الرواية أن خبره يحتمل الصدق والكذب فلا بد من مرجح والبراءة أمارة رجحان الصدق وجه ظاهر الرواية ان الرجحان ثابت بدون البراءة لأنه أمين إذ له أن يدفع إلى المصدق فقد أخبر عن الدفع إلى من جعل له الدفع إليه فكان كالمودع إذا قال دفعت
(٣٦)