تتعلق بمكة فيحتاجون إلى الدخول في كل وقت فلو منعوا من الدخول الا باحرام لوقعوا في الحرج وانه منفى شرعا وأما الصنف الثالث فميقاتهم للحج الحرم وللعمرة الحل فيحرم المكي من دويرة أهله للحج أو حيث شاء من الحرم ويحرم للعمرة من الحل وهو التنعيم أو غيره أما الحج فلقوله تعالى وأتموا الحج والعمرة لله وروينا عن علي وابن مسعود رضي الله عنهما أنهما قالا اتمامهما أن تحرم بهما من دويرة أهلك الا أن العمرة صارت مخصوصة في حق أهل الحرم فبقي الحج مرادا في حقهم وروى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أمر أصحابه بفسخ احرام الحج بعمل العمرة أمرهم يوم التروية أن يحرموا بالحج من المسجد وفسخ احرام الحج بعمل العمرة وان نسخ فالاحرام من المسجد لم ينسخ وان شاء أحرم من الأبطح أو حيث شاء من الحرم لكن من المسجد أولى لان الاحرام عبادة واتيان العبادة في المسجد أولى كالصلاة وأما العمرة فلما روى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أراد الإفاضة من مكة دخل على عائشة رضي الله عنها وهي تبكى فقالت أكل نسائك يرجعن بنسكين وأنا أرجع بنسك واحد فامر أخاها عبد الرحمن بن أبي بكر رضي الله عنه أن يعتمر بها من التنعيم ولان من شأن الاحرام أن يجتمع في أفعاله الحل والحرم فلو أحرم المكي بالعمرة من مكة وأفعال العمرة تؤدى بمكة لم يجتمع في أفعالها الحل والحرم بل يجتمع كل أفعالها في الحرم وهذا خلاف عمل الاحرام في الشرع والأفضل أن يحرم من التنعيم لان رسول الله صلى الله عليه وسلم أحرم منه وكذا أصحابه رضي الله عنهم كانوا يحرمون لعمرتهم منه وكذلك من حصل في الحرم من غير أهله فأراد الحج أو العمرة فحكمه حكم أهل الحرم لأنه صار منهم فإذا أراد أن يحرم للحج أحرم من دويرة أهله أو حيث شاء من الحرم وإذا أراد أن يحرم بالعمرة يخرج إلى التنعيم ويهل بالعمرة في الحل ولو ترك المكي ميقاته فاحرم للحج من الحل وللعمرة من الحرم يجب عليه الدم الا إذا عاد وجدد التلبية أو لم يجدد على التفصيل والاختلاف الذي ذكرنا في الآفاقي ولو خرج من الحرم إلى الحل ولم يجاوز الميقات ثم أرد أن يعود إلى مكة له أن يعود إليها من غير احرام لان أهل مكة يحتاجون إلى الخروج إلى الحل للاحتطاب والاحتشاش والعود إليها فلو ألزمناهم الاحرام عند كل خروج لوقعوا في الحرج * (فصل) * وأما بيان ما يحرم به فما يحرم به في الأصل ثلاثة أنواع الحج وحده والعمرة وحدها والعمرة مع الحج وعلى حسب تنوع المحرم به يتنوع المحرمون وهم في الأصل أنواع ثلاثة مفرد بالحج ومفرد بالعمرة وجامع بينهما فالمفرد بالحج هو الذي يحرم بالحج لا غير والمفرد بالعمرة هو الذي يحرم بالعمرة لا غير وأما الجامع بينهما فنوعان قارن ومتمتع فلابد من بيان معنى القارن والمتمتع في عرف الشرع وبيان ما يجب عليهما بسبب القران والتمتع وبيان الأفضل من أنواع ما يحرم به أنه الافراد أو القران أو التمتع أما القارن في عرف الشرع فهو اسم الآفاقي يجمع بين احرام العمرة واحرام الحج قبل وجود ركن العمرة وهو الطواف كله أو أكثره فيأتي بالعمرة أولا ثم يأتي بالحج قبل أن يحل من العمرة بالحلق أو التقصير سواء جمع بين الاحرامين بكلام موصول أو مفصول حتى لو أحرم بالعمرة ثم أحرم بالحج بعد ذلك قبل الطواف للعمرة أو أكثره كان قارنا لوجود معنى القران وهو الجمع بين الاحرامين وشرطه ولو كان احرامه للحج بعد طواف العمرة أو أكثره لا يكون قارنا بل يكون متمتعا لوجود معنى التمتع وهو أن يكون احرامه بالحج بعد وجود ركن العمرة كله وهو الطواف سبعة أشواط أو أكثره وهو أربعة أشواط على ما نذكر في تفسير المتمتع إن شاء الله تعالى وكذلك لو أحرم بالحجة أولا ثم بعد ذلك أحرم بالعمرة يكون قارنا لاتيانه بمعنى القران الا أنه يكره له ذلك لأنه مخالفة السنة إذ السنة تقديم احرام العمرة على احرام الحج ألا ترى أنه يقدم العمرة على الحجة في الفعل فكذا في القول ثم إذا فعل ذلك ينظر ان أحرم بالعمرة قبل أن يطوف لحجته عليه أن يطوف أولا لعمرته ويسعى لها ثم يطوف لحجته ويسعى لها مراعاة للترتيب في الفعل فإن لم يطف للعمرة ومضى إلى عرفات ووقف بها صار رافضا لعمرته لأن العمرة تحتمل الارتفاض لأجل الحجة في الجملة لما روى عن عائشة رضي الله عنها أنها قدمت مكة معتمرة فحاضت فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم ارفضي عمرتك وأهلي
(١٦٧)