الحمى واصابته حمى أخرى عرف ذلك أو زال عنه ذلك المرض وجاءه مرض آخر فعليه كفارتان سواء كفر للأول أو لم يكفر في قول أبي حنيفة وأبى يوسف وعند محمد عليه كفارة واحدة ما لم يكفر للأول فان كفر للأول فعليه كفارة أخرى وسنذكر المسألة إن شاء الله في بيان المحظور الذي يفسد الحج وهو الجماع بان جامع في مجلسين مختلفين ولو جرح له قرح أو أصابه جرح وهو يداويه بالطيب فخرجت قرحة أخرى أو أصابه جرح آخر والأول على حاله لم يبرأ فداوى الثاني فعليه كفارة واحدة لان الأول لم يبرأ فالضرورة باقية فالمداواة الثانية حصلت على الجهة التي حصلت عليها الأولى فيكفيه كفارة واحدة ولو حصره عدو فاحتلج إلى لبس الثياب فلبس ثم ذهب فنزع ثم عاد فعاد أو كان العدو لم يبرح مكانه فكان يلبس السلاح فيقاتل بالنهار وينزع بالليل فعليه كفارة واحدة ما لم يذهب هذا العدو ويجئ عدو آخر لان العذر واحد والعذر الواحد لا يتعلق باللبس له الا كفارة واحدة والأصل في جنس هذه المسائل انه ينظر إلى اتحاد الجهة واختلافها لا إلى صورة اللبس فان لبس المخيط أياما فإن لم ينزع ليلا ولا نهارا يكفيه دم واحد بلا خلاف لان اللبس على وجه واحد وكذلك إذا كان يلبسه بالنهار وينزعه بالليل للنوم من غير أن يعزم على تركه لا يلزمه الا دم واحد بالاجماع لأنه إذا لم يعزم على الترك كان اللبس على وجه واحد فان لبس يوما كاملا فأراق دما ثم دام على لبسه يوما كاملا فعليه دم آخر بلا خلاف لان الدوام على اللبس بمنزلة لبس مبتدأ بدليل انه لو أحرم وهو مشتمل على المخيط فدام عليه بعد الاحرام يوما كاملا يلزمه دم ولو لبسه يوما كاملا ثم نزعه وعزم على تركه ثم لبس بعد ذلك فإن كان كفر للأول فعليه كفارة أخرى بالاجماع لأنه لما كفر للأول فقد التحق اللبس الأول بالعدم فيعتبر الثاني لبسا آخر مبتدأ وان لم يكفر للأول فعليه كفارتان في قول أبي حنيفة وأبى يوسف وفى قول محمد عليه كفارة واحدة وجه قول محمد انه ما لم يكفر للأول كان اللبس على حاله فإذا وجد الثاني فلا يتعلق به الا كفارة واحدة وإذا كفر للأول بطل الأول فيعتبر الثاني لبسا ثانيا فيوجب كفارة أخرى كما إذا جامع في يومين من شهر رمضان ولهما انه لما نزع على عزم الترك فقد انقطع حكم اللبس الأول فيعتبر الثاني لبسا مبتدأ فيتعلق به كفارة أخرى والأصل عندهما أن النزع على عزم الترك يوجب اختلاف اللبستين في الحكم تخللهما التكفير أولا وعنده لا يختلف الا إذا تخللهما التكفير ولو لبس ثوبا مصبوغا بالورس أو الزعفران فعليه دم لان الورس والزعفران لهما رائحة طيبة فقد استعمل الطيب في بدنه فيلزمه الدم وكذا إذا لبس المعصفر عندنا لأنه محظور الاحرام عندنا إذ المعصفر طيب لان له رائحة طيبة وعلى القارن في جميع ما يوجب الكفارة مثلا ما على المفرد من الدم والصدقة عندنا لأنه محرم باحرامين فادخل النقص في كل واحد منهما فيلزمه كفارتان والله أعلم بالصواب * (فصل) * وأما الذي يرجع إلى الطيب وما يجرى مجراه من إزالة الشعث وقضاء التفث اما الطيب فنقول لا يتطيب المحرم لقول النبي صلى الله عليه وسلم المحرم الأشعث الأغبر والطيب ينافي الشعث وروى أن رجلا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وعليه مقطعان مضمخان بالخلوق فقال ما أصنع في حجتي يا رسول الله فسكت النبي صلى الله عليه وسلم حتى أوحى الله إليه فلما سرى عنه قال صلى الله عليه وسلم أين السائل فقال الرجل أنا فقال اغسل هذا الطيب عنك واصنع في حجتك ما كنت صانعا في عمرتك وروينا ان محرما وقصت به ناقته فقال النبي صلى الله عليه وسلم لا تخمروا رأسه ولا تقربوه طيبا فإنه يبعث يوم القيامة ملبيا جعل كونه محرما علة حرمة تخمير الرأس والتطيب في حقه فان طيب عضوا كاملا كالرأس والفخذ والساق ونحو ذلك فعليه دم وان طيب أقل من عضو فعليه صدقة وقال محمد يقوم ما يجب فيه الدم فيتصدق بذلك القدر حتى لو طيب ربع عضو فعليه من الصدقة قدر قيمة ربع شاة وان طيب نصف عضو تصدق بقدر قيمة نصف شاة هكذا وذكر الحاكم في المنتقى في موضع إذا طيب مثل الشارب أو بقدره من اللحية فعليه صدقة وفى موضع إذا طيب مقدار ربع الرأس فعليه دم أعطى الربع حكم الكل كما في الحلق وقال الشافعي في قليل الطيب وكثيره دم لوجود الارتفاق ومحمد اعتبر البعض بالكل والصحيح ما ذكر في الأصل لان تطييب عضو كامل ارتفاق كامل فكان
(١٨٩)