يجوز للقاتل أن يأكل شيئا من لحم الهدى ولو أكل شيئا منه فعليه قيمة ما أكل ولا يجوز دفعه ودفع الطعام إلى ولده وولد ولده وان سفلوا ولا إلى والده ووالد والده وان علوا كما لا تجوز الزكاة ويجوز دفعه إلى أهل الذمة في قول أبي حنيفة ومحمد ولا يجوز في قول أبى يوسف كما في صدقة الفطر والصدقة المنذور بها على ما ذكرنا في كتاب الزكاة وان اختار الصيام اشترى بقيمة الصيد طعاما وصام لكل نصف صاع من بر يوما عندنا وهو قول ابن عباس وجماعة من التابعين مثل إبراهيم وعطاء ومجاهد وقال الشافعي يصوم لكل مد يوما والصحيح قولنا لما روى عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال يصوم عن كل نصف صاع يوما ومثل هذا لا يعرف بالاجتهاد فتعين السماع من رسول الله صلى الله عليه وسلم فان فضل من الطعام أقل من نصف صاع فهو بالخيار ان شاء تصدق به وان شاء صام عنه يوما لان صوم بعض يوم لا يجوز ويجوز الصوم في الأيام كلها بلا خلاف ويجوز متتابعا ومتفرقا لقوله تعالى أو عدل ذلك صياما مطلقا عن المكان وصفة التتابع والتفرق وسواء كان الصيد مما يؤكل لحمه أو مما لا يؤكل لحمه عندنا بعد إن كان محرما والاصطياد على المحرم كالضبع والثعلب وسباع الطير وينظر إلى قيمته لو كان مأكول اللحم لعموم قوله تعالى يا أيها الذين آمنوا لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم ومن قتله منكم متعمدا فجزاء مثل ما قتل من النعم غير أنه لا يجاوز به دما في ظاهر الرواية وذكر الكرخي أنه لا يبلغ دما بل ينقص من ذلك بخلاف مأكول اللحم فإنه تجب قيمته بالغة ما بلغت وان بلغت قيمته هديين أو أكثر وقال زفر تجب قيمته بالغة ما بلغت كما في مأكول اللحم وجه قوله أن هذا المصيد مضمون بالقيمة والمضمون بالقيمة يعتبر كمال قيمته كالمأكول ولنا أن هذا المضمون إنما يجب بقتله من حيث إنه صيد ومن حيث إنه صيد لا تزيد قيمة لحمه على لحم الشاة بحال بل لحم الشاة يكون خيرا منه بكثير فلا يجاوز به دما بل ينقص منه كما ذكره الكرخي ولأنه جزاء وجب باتلاف ما ليس بمال فلا يجاوز به دما كحلق الشعر وقص الأظفار وقد خرج الجواب عما ذكره زفر ويستوى في وجوب الجزاء بقتل الصيد المبتدئ والعائد وهو ان يقتل صيدا ثم يعود ويقتل آخر وثم وثم أنه يجب لكل صيد جزاء على حدة وهذا قول عامة العلماء وعامة الصحابة رضي الله عنهم وعن ابن عباس أنه لا جزاء على العائد وهو قول الحسن وشريح وإبراهيم واحتجوا بقوله تعالى ومن عاد فينتقم الله منه جعل جزاء العائد الانتقام في الآخرة فتنتفي الكفارة في الدنيا ولنا ان قوله تعالي ومن قتله منكم متعمدا فجزاء مثل ما قتل من العم يتناول القتل في كل مرة فيقتضى وجوب الجزاء في كل مرة كما في قوله تعالي ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله ونحو ذلك وأما قوله تعالى ومن عاد فينتقم الله منه فيه ان الله تعالى ينتقم من العائد وليس فيه ان ينتقم منه بماذا فيحتمل انه ينتقم منه بالكفارة كذا قال بعض أهل التأويل فينتقم الله منه بالكفارة في الدنيا أو بالعذاب في الآخرة على أن الوعيد في الآخرة لا ينفى وجوب الجزاء في الدنيا كما أن الله تعالى جعل حد المحاربين لله ورسوله جزاء لهم في الدنيا بقوله إن ما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا الآية ثم قال عز وجل في آخرها ذلك لهم خزي في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب عظيم ومنهم من صرف تأويل الآية الكريمة إلى استحلال الصيد فقال الله عز وجل عفا الله عما سلف في الجاهلية من استحلالهم الصيد إذا تاب ورجع عما استحل من قتل الصيد ومن عاد إلى الاستحلال فينتقم الله منه بالنار في الآخرة وبه نقول هذا إذا لم يكن قتل الثاني والثالث على وجه الرفض والاحلال فاما إذا كان على وجه الرفض والاحلال لاحرامه فعليه جزاء واحد استحسانا والقياس ان يلزمه لكل واحد منهما دم لان الموجود ليس الا نية الرفض ونية الرفض لا يتعلق بها حكم لأنه لا يصير حلالا بذلك فكان وجودها والعدم بمنزلة واحدة الا انهم استحسنوا وقالوا لا يجب الا جزاء واحد لان الكل وقع على وجه واحد فأشبه الايلاجات في الجماع ويستوى فيه العمد والخطأ والذكر والنسيان عند عامة العلماء وعامة الصحابة رضي الله عنهم وعن ابن عباس رضي الله عنهما انه لا كفارة على الخاطئ وقال الشافعي لا كفارة على الخاطئ والناسي والكلام في المسألة بناء وابتداء أما البناء فما ذكرنا فيما تقدم ان الكفارة إنما تجب
(٢٠١)