ولان الطيب ماله رائحة طيبة وللحناء رائحة طيبة فكان طيبا وان خضبت المحرمة يديها بالحناء فعليها دم وإن كان قليلا فعليها صدقة لان الارتفاق الكامل لا يحصل الا بتطييب عضو كامل والقسط طيب لان له رائحة طيبة ولهذا يتبخر به ويلتذ برائحته والوسمة ليس بطيب لأنه ليس لها رائحة طيبة بل كريهة وإنما تغير الشعر وذلك ليس من باب الارتفاق بل من باب الزينة فان خاف ان يقتل دواب الرأس تصدق بشئ لأنه يزيل التفث وروى عن أبي يوسف فيمن خضب رأسه بالوسمة ان عليه دما لا لأجل الخضاب بل لأجل تغطية الرأس والكحل ليس بطيب وللمحرم أن يكتحل بكحل ليس فيه طيب وقال ابن أبي ليلى هو طيب وليس للمحرم ان يكتحل به وهذا غير سديد لأنه ليس له رائحة طيبة فلا يكون طيبا ويستوى في وجوب الجزاء بالتطيب الذكر والنسيان والطوع والكره عندنا كما في لبس المخيط خلافا للشافعي على ما مر والرجل والمرأة في الطيب سواء في الحظر ووجوب الجزاء لاستوائهما في الحاظر والموجب للجزاء وكذا القارن والمفرد الا أن على القارن مثلي ما على المفرد عندنا لأنه محرم باحرامين فادخل نقصا في احرامين فيؤاخذ بجزاءين ولا يحل للقارن والمفرد التطيب ما لم يحلقا أو يقصر البقاء الاحرام قبل الحلق أو التقصير فكان الحاظر باقيا فيبقى الحظر وكذا المعتمر لما قلنا وقد ذكرنا ذلك فيما تقدم والله أعلم * (فصل) * وأما ما يجرى مجرى الطيب من إزالة الشعث وقضاء التفث فحلق الشعر وقلم الظفر أما الحلق فنقول لا يجوز للمحرم أن يحلق رأسه قبل يوم النحر لقوله تعالى ولا تحلقوا رؤوسكم حتى يبلغ الهدى محله وقول النبي صلى الله عليه وسلم المحرم الأشعث الأغبر وسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم من الحاج فقال الشعث التفث وحلق الرأس يزيل الشعث والتفث ولأنه من باب الارتفاق بمرافق المقيمين والمحرم ممنوع عن ذلك ولأنه نوع نبات استفاد الامن بسبب الاحرام فيحرم التعرض له كالنبات الذي استفاد الامن بسبب الحرم وهو الشجر والخلى وكذا لا يطلى رأسه بنورة لأنه في معنى الحلق وكذا لا يزيل شعرة من شعر رأسه ولا يطليها بالنورة لما قلنا فان حلق رأسه فان حلقه من غير عذر فعليه دم لا يجزيه غيره لأنه ارتفاق كامل من غير ضرورة وان حلقه لعذر فعليه أحد الأشياء الثلاثة لقوله عز وجل فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك ولما روينا من حديث كعب بن عجرة ولان الضرورة لها أثر في التخفيف فخير بين الأشياء الثلاثة تخفيفا وتيسيرا وان حلق ثلثه أو ربعه فعليه دم وان حلق دون الربع فعليه صدقة كذا ذكر في ظاهر الرواية ولم يذكر الاختلاف وحكى الطحاوي في مختصره الاختلاف فقال إذا حلق ربع رأسه يجب عليه الدم في قول أبي حنيفة وفى قول أبى يوسف ومحمد لا يجب ما لم يحلق أكثر رأسه وذكر القدروي في شرحه مختصر الحاكم إذا حلق ربع رأسه يجب عليه دم في قول أبي حنيفة وعند أبي يوسف إذا حلق أكثره يجب وعند محمد إذا حلق شعرة يجب وقال الشافعي إذا حلق ثلاث شعرات يجب وقال مالك لا يجب الا بحلق الكل وعلى هذا إذا حلق لحيته أو ثلثها أو ربعها احتج مالك بقوله تعالى ولا تحلقوا رؤوسكم حتى يبلغ الهدى محله والرأس اسم لكل هذا المحدود وجه قول الشافعي أن الثلاث جمع صحيح فيقوم مقام الكل ولهذا قام مقام الكل في مسح الرأس ولان الشعر نبات استفاد الامن بسبب الاحرام فيستوي فيه قليله وكثيره كالنبات الذي استفاد الامن بسبب الحرم من الشجر والخلى واما الكلام بين أصحابنا فمبنى على أن حلق الكثير يوجب الدم والقليل يوجب الصدقة واختلفوا في الحد الفاصل بين القليل والكثير فجعل أبو حنيفة ما دون الربع قليلا والربع وما فوقه كثيرا وهما على ما ذكر الطحاوي جعلا ما دون النصف قليلا وما زاد على النصف كثيرا والوجه لهما ان القليل والكثير من أسماء المقابلة وإنما يعرف ذلك بمقابله فإن كان مقابله قليلا فهو كثير وإن كان كثيرا فهو قليل فيلزم منه أن يكون الربع قليلا لان ما يقابله كثير فكان هو قليلا والوجه لأبي حنيفة ان الربع في حلق الرأس بمنزلة الكل الا ترى ان من عادة كثير من الأجيال من العرب والترك والكرد الاقتصار على حلق ربع الرأس ولذا يقول القائل رأيت فلانا يكون صادقا في مقالته وان لم ير الا أحد جوانبه الأربع ولهذا أقيم مقام الكل في المسح وفى الخروج من الاحرام بان حلق ربع رأسه للتحلل
(١٩٢)