هذا الحق غير مبين في الآية فكانت الآية مجملة في حق المقدار ثم صارت مفسرة ببيان النبي صلى الله عليه وسلم بقوله ما سقته السماء ففيه العشر وما سقى بغرب أو دالية ففيه نصف العشر كقوله تعالى وآتوا الزكاة أنها مجملة في حق المقدار فبينه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله في مائتي درهم خمسة دراهم فصار مفسرا كذا هذا وقوله تعالى يا أيها الذين آمنوا انفقوا من طيبات ما كسبتم ومما أخرجنا لكم من الأرض وفى الآية دلالة على أن الفقراء حقا في المخرج من الأرض حيث أضاف المخرج إلى الكل فدل على أن للفقراء في ذلك حقا كما أن للأغنياء فيدل على كون العشر حق الفقراء ثم عرف مقدار الحق بالسنة وأما السنة فما روينا وهو قوله صلى الله عليه وسلم ما سقته السماء ففيه العشر وما سقى بغرب أو دالية ففيه نصف العشر وأما الاجماع فلان الأمة أجمعت على فرضية العشر وأما المعقول فعلى نحو ما ذكرنا في النوع الأول لان اخراج العشر إلى الفقير من باب شكر النعمة واقدار العاجز وتقويته على القيام بالفرائض ومن باب تطهير النفس عن الذنوب وتزكيتها وكل ذلك لازم عقلا وشرعا والله أعلم * (فصل) * وأما الكلام في كيفية فرضية هذا النوع فعلى نحو الكلام في كيفية فرضية النوع الأول وقد مضى الكلام فيه * (فصل) * وأما سبب فرضيته فالأرض النامية بالخارج حقيقة وسبب وجوب الخراج الأرض النامية بالخارج حقيقة أو تقديرا حتى لو أصاب الخارج آفة فهلك لا يجب فيه العشر في الأرض العشرية ولا الخراج في الأرض الخراجية لفوات النماء حقيقة وتقديرا ولو كانت الأرض عشرية فتمكن من زراعتها فلم تزرع لا يجب العشر لعدم الخارج حقيقة ولو كانت أرض خراجية يجب الخراج لوجود الخارج تقديرا ولو كانت أرض الخراج نزة أو غلب عليها الماء بحيث لا يستطاع فيها الزراعة أو سبخة أو لا يصل إليها الماء فلا خراج فيه لانعدام الخارج فيه حقيقة وتقديرا وعلى هذا يخرج تعجيل العشر وانه على ثلاثة أوجه في وجه يجوز بلا خلاف وفى وجه لا يجوز بلا خلاف وفى وجه فيه خلاف أما الذي يجوز بلا خلاف فهو ان يعجل بعد الزراعة وبعد النبات لأنه تعجيل بعد وجود سبب الوجوب وهو الأرض النامية بالخارج حقيقة ألا ترى أنه لو قصله هكذا يجب العشر وأما الذي لا يجوز بلا خلاف فهو أن يعجل قبل الزراعة لأنه عجل قبل الوجوب وقبل وجود سبب الوجوب لانعدام الأرض النامية بالخارج حقيقة لانعدام الخارج حقيقة وأما الذي فيه خلاف فهو أن يعجل بعد الزراعة قبل النبات قال أبو يوسف يجوز وقال محمد لا يجوز وجه قول محمد ان سبب الوجوب لم يوجد لانعدام الأرض النامية بالخارج لا الخارج فكان تعجيلا قبل وجود السبب فلم يجز كما لو عجل قبل الزراعة وجه قول أبى يوسف ان سبب الخروج موجود وهو الزراعة فكان تعجيلا بعد وجود السبب فيجوز وأما تعجيل عشر الثمار فان عجل بعد طلوعها جاز بالاجماع وان عجل قبل الطلوع ذكر الكرخي انه على الاختلاف الذي ذكرنا في الزرع وذكر القاضي في شرحه مختصر الطحاوي انه لا يجوز في ظاهر الرواية وروى عن أبي يوسف انه يجوز وجعل الأشجار للثمار بمنزلة الساق للحبوب وهناك يجوز التعجيل كذا ههنا ووجه الفرق لأبي حنيفة ومحمد ان الشجر ليس بمحل لوجوب العشر لأنه حطب ألا ترى انه لو قطعه لا يجب العشر فاما ساق الزرع فمحل بدليل انه لو قطع الساق قبل أن ينعقد الحب يجب العشر ويجوز تعجيل الخراج والجزية لان سبب وجوب الخراج الأرض النامية بالخارج تقديرا بالتمكن من الزراعة لا تحقيقا وقد وجد التمكن وسبب وجوب الجزية كونه ذميا وقد وجد والله أعلم * (فصل) * وأما شرائط الفرضية فبعضها شرط الأهلية وبعضها شرط المحلية أما شرط الأهلية فنوعان أحدهما الاسلام وانه شرط ابتداء هذا الحق فلا يبتدأ بهذا الحق الا على مسلم بلا خلاف لان فيه معنى العبادة والكافر ليس من أهل وجوبها ابتداء فلا يبتدأ به عليه وكذا لا يجوز أن يتحول إليه في قول أبي حنيفة وعند أبي يوسف ومحمد يجوز حتى أن الذمي لو اشترى أرض عشر من مسلم فعليه الخراج عنده وعند أبي يوسف عليه عشران
(٥٤)