لان نية الإقامة قد صحت فصار تاركا للسفر فلم يكن مأذونا بالانفاق من مال الآمر ولو أنفق ضمن لأنه أنفق مال غيره بغير اذنه فان أقام بها أياما من غير نية الإقامة فقد قال أصحابنا انه ان أقام إقامة معتادة فالنفقة في مال المحجوج عنه وان زاد على المعتاد فالنفقة من ماله حتى قالوا إذا أقام بعد الفراغ من الحج ثلاثة أيام ينفق من مال الآمر وان زاد ينفق من مال نفسه وقالوا في الخراساني إذا جاء حاجا عن غيره فدخل بغداد فأقام بها إقامة معتادة مقدار ما يقيم الناس بها عادة فالنفقة في مال المحجوج عنه وان أقام أكثر من ذلك فالنفقة في ماله وهذا كان في زمانهم لأنه كان زمان أمن يتمكن الحاج من الخروج من مكة وحده أو مع نفر يسير فقد روا مدة الإقامة بها بعد الفراغ من الحج كما أذن النبي صلى الله عليه وسلم للمهاجر أن يقيم بمكة فاما في زماننا فلا يمكن الخروج للافراد والآحاد ولا لجماعة قليلة من مكة الا مع القافلة فما دام منتظرا خروج القافلة فنفقته في مال المحجوج عنه وكذا هذا في اقامته ببغداد انه ما دام منتظرا لخروج القافلة فالنفقة في مال الآمر لتعذر سبقه بالخروج لما فيه من تعريض المال والنفس للهلاك فالتعويل في الذهاب والاياب على ذهاب القافلة وايابها فان نوى إقامة خمسة عشر يوما فصاعدا حتى سقطت نفقته من مال الا آمر ثم رجع بعد ذلك هل تعود نفقته في مال الآمر ذكر القدوري في شرحه مختصر الكرخي انه تعود ولم يذكر الخلاف وذكر القاضي في شرحه مختصر الطحاوي ان على قول محمد تعود وهو ظاهر الرواية وعند أبي يوسف لا تعود وهذا إذا لم يكن اتخذ مكة دارا فاما إذا اتخذها دارا ثم عاد لا تعود النفقة في مال الآمر بلا خلاف وجه قول أبى يوسف انه إذا نوى الإقامة خمسة عشر يوما فصاعدا فقد انقطع حكم السفر فلا تعود بعد ذلك كما لو اتخذ مكة دارا وجه ظاهر الرواية ان الإقامة ترك السفر لا قطعها والمتروك يعود فاما اتخاذ مكة دارا والتوطن بها هو قطع السفر والمنقطع لا يعود ولو تعجل المأمور بالحج ليكون شهر رمضان بمكة فدخل محرما في شهر رمضان أو في ذي القعدة فنفقته في مال نفسه إلى عشر الأضحى فإذا جاء عشر الأضحى أنفق من مال الآمر كذا روى هشام عن محمد لان المقام بمكة قبل الوقت الذي يدخلها الناس لا يحتاج إليه لأداء المناسك غالبا فلا تكون هذه الإقامة مأذونا فيها كالإقامة بعد الفراغ من الحج أكثر من المعتاد ولا يكون بما عجل مخالفا لان الا آمر ما عين له وقتا والتجارة والإجارة لا يمنعان جواز الحج ويجوز حج التاجر والأجير والمكاري لقوله عز وجل ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم قيل الفضل التجارة وذلك أن أهل الجاهلية كانوا يتحرجون من التجارة في عشر ذي الحجة فلما كان الاسلام امتنع أهل الاسلام عن التجارة خوفا من أن يضر ذلك حجهم فرخص الله سبحانه وتعالى لهم طلب الفضل في الحج بهذه الا آية وروى أن رجلا سأل ابن عمر رضي الله عنه فقال إن ا قوم نكرى ونزعم ان ليس لنا حج فقال ألستم تحرمون قالوا بلى قال فأنتم حجاج جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فسأله عما سألتني عنه فقرأ هذه الآية ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم ولان التجارة والإجارة لا يمنعان من أركان الحج وشرائطها فلا يمنعان من الجواز والله أعلم * (فصل) * وأما بيان ما يفسد الحج وبيان حكمه إذا فسد اما الأول فالذي يفسد الحج الجماع لكن عند وجود شرطه فيقع الكلام فيه في موضعين في بيان ان الجماع يفسد الحج في الجملة وفي بيان شرط كونه مفسدا اما الأول فالدليل عليه ما روى عن جماعة من الصحابة رضي الله عنهم انهم قالوا فيمن جامع امرأته وهما محرمان مضيا في احرامهما وعليهما هدى ويقضيان من قابل ويفترقان ولان الجماع في نهاية الارتفاق بمرافق المقيمين فكان في نهاية الجناية على الاحرام فكان مفسدا للاحرام (وأما) شرط كونه مفسدا فشيئان أحدهما أن يكون الجماع في الفرج حتى لو جامع فيما دون الفرج أو لمس بشهوة أو عانق أو قبل أو باشر لا يفسد حجه لانعدام الارتفاق البالغ لكن تلزمه الكفارة سواء أنزل أو لم ينزل لوجود استمتاع مقصود على ما بينا فيما تقدم وفرقنا بين اللمس والنظر عن شهوة ولو وطئ بهيمة لا يفسد حجه لما قلنا ولا كفارة عليه الا إذا أنزل لأنه ليس باستمتاع مقصود بخلاف الجماع فيما دون الفرج واما الوطئ في الموضع المكروه فاما على أصلهما يفسد الحج لأنه في معنى الجماع
(٢١٦)