وكذلك الصبي إذا بلغ وكذلك المجنون جنونا أصليا على قول محمد لأنه بمنزلة الصبا عنده * (فصل) * وأما ركنه فالامساك عن الأكل والشرب والجماع لان الله تعالى أباح الأكل والشرب والجماع في ليالي رمضان لقوله تعالى أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى قوله فالآن باشروهن وابتغوا ما كتب الله لكم وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر أي حتى يتبين لكم ضوء النهار من ظلمة الليل من الفجر ثم أمر بالامساك عن هذه الأشياء في النهار بقوله عز وجل ثم أتموا الصيام إلى الليل فدل أن ركن الصوم ما قلنا فلا يوجد الصوم بدونه وعلى هذا الأصل ينبنى بيان ما يفسد الصوم وينقضه لان انتقاض الشئ عند فوات ركنه أمر ضروري وذلك بالأكل والشرب والجماع سواء كان صورة ومعنى أو صورة لا معنى أو معنى لا صورة وسواء كان بغير عذر أو بعذر وسواء كان عمدا أو خطأ طوعا أو كرها بعد إن كان ذاكرا لصومه لا ناسيا ولا في معنى الناسي والقياس أن يفسد وإن كان ناسيا وهو قول مالك لوجود ضد الركن حتى قال أبو حنيفة لولا قول الناس لقلت يقضى أي لولا قول الناس أن أبا حنيفة خالف الامر لقلت يقضى لكنا تركنا القياس بالنص وهو ما روى عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال من نسي وهو صائم فأكل أو شرب فليتم صومه فان الله عز وجل أطعمه وسقاه حكم ببقاء صومه وعلل بانقطاع نسبة فعله عنه بإضافته إلى الله تعالى لوقوعه من غير قصده وروى عن أبي حنيفة أنه قال لا قضاء على الناسي للأثر المروى عن النبي صلى الله عليه وسلم والقياس أن يقضى ذلك ولكن اتباع الأثر أولى إذا كان صحيحا وحديث صححه أبو حنيفة لا يبقى لاحد فيه مطعن وكذا انتقده أبو يوسف حيث قال وليس حديث شاذ نجترئ على رده وكان من صيارفة الحديث وروى عن علي وابن عمرو وأبي هريرة رضي الله عنهم مثل مذهبنا ولان النسيان في باب الصوم مما يغلب وجوده ولا يمكن دفعه الا بحرج فجعل عذار دفعا للحرج وعن عطاء والثوري انهما فرقا بين الأكل والشرب وبين الجماع ناسيا فقالا يفسد صومه في الجماع ولا يفسد في الأكل والشرب لان القياس يقتضى الفساد في الكل لفوات ركن الصوم في الكل الا انا تركنا القياس بالخبر وانه ورد في الأكل والشرب فبقي الجماع على أصل القياس وانا نقول نعم الحديث ورد في الأكل والشرب لكنه معلول بمعنى يوجد في الكل وهو أنه فعل مضاف إلى الله تعالى على طريق التمحيض بقوله فإنما أطعمه الله وسقاه قطع اضافته عن العبد لوقوعه فيه من غير قصده واختياره وهذا المعنى يوجد في الكل والعلة إذا كانت منصوصا عليها كان الحكم منصوصا عليه ويتعمم الحكم بعموم العلة وكذا معنى الحرج يوجد في الكل ولو أكل فقيل له انك صائم وهو لا يتذكر انه صائم ثم علم بعد ذلك فعليه القضاء في قول أبى يوسف وعند زفر والحسن بن زياد لا قضاء عليه وجه قولهما انه لما تذكر انه كان صائما تبين انه أكل ناسيا فلم يفسد صومه ولأبي يوسف انه أكل متعمدا لان عنده أنه ليس بصائم فيبطل صومه ولو دخل الذباب حلقه لم يفطره لأنه لا يمكنه الاحتراز عنه فأشبه الناسي ولو أخذه فأكله فطره لأنه تعمد أكله وان لم يكن مأكولا كما لو أكل التراب ولو دخل الغبار أو الدخان أو الرائحة في حلقه لم يفطره لما قلنا وكذا لو ابتلع البلل الذي بقي بعد المضمضة في فمه مع البزاق أو ابتلع البزاق الذي اجتمع في فمه لما ذكرنا ولو بقي بين أسنانه شئ فابتلعه ذكر في الجامع الصغير أنه لا يفسد صومه وان أدخله حلقه متعمدا روى عن أبي يوسف أنه ان تعمد عليه القضاء ولا كفارة عليه ووفق ابن أبي مالك فقال إن كان مقدار الحمصة أو أكثر يفسد صومه وعليه القضاء ولا كفارة كما قال أبو يوسف رحمه الله تعالى وقول أبى يوسف محمول عليه وإن كان دون الحمصة لا يفسد صومه كما لو ذكر في الجامع الصغير والمذكور فيه محمول عليه وهو الأصح ووجهه ان ما دون الحمصة يسير يبقى بين الأسنان عادة فلا يمكن التحرز عنه بمنزلة الريق فيشبه الناسي ولا كذلك قدر الحمصة فان بقاءه بين الأسنان غير معتاد فيمكن الاحتراز عنه فلا يلحق بالناسي وقال زفر عليه القضاء والكفارة وجه قوله إنه أكل ما هو مأكول في نفسه الا انه متغير فأشبه اللحم المنتن ولنا انه أكل ما لا يؤكل عادة إذ لا يقصد به الغذاء ولا الدواء فان تثاءب فرفع رأسه إلى السماء فوقع في حلقه قطرة مطر أو ماء صب في ميزاب فطره
(٩٠)