هو الطعن في أسفل السنام وذلك من قبل اليسار عند أبي يوسف وعند الشافعي من قبل اليمين وكل ذلك مروى عن النبي صلى الله عليه وسلم فإنه كان يدخل بين بعيرين من قبل الرؤس وكان يضرب أولا الذي عن يساره من قبل يسار سنامه ثم يعطف على الآخر فيضربه من قبل يمينه اتفاقا للأول لا قصدا فصار الطعن علي الجانب الأيسر أصليا والآخر اتفاقيا بل الاعتبار الأصلي أولى والله عز وجل أعلم هذا الذي ذكرنا في أن الاحرام لا يثبت بمجرد النية ما لم يقترن بها قول أو فعل هو من خصائص الاحرام أو دلائله ظاهر مذهب أصحابنا وروى عن أبي يوسف أنه يصير محرما بمجرد النية وبه أخذ الشافعي وهذا يناقض قوله إن الاحرام ركن لأنه جعل نية الاحرام احراما والنية ليست بركن بل هي شرط لأنها عزم على الفعل والعزم على فعل ليس ذلك الفعل بل هو عقد على أدائه وهو أن تعقد قلبك عليه انك فاعله لا محالة قال الله تعالى فإذا عزم الامر أي جد الامر وفى الحديث خير الأمور عوازمها أي ما وكدت رأيك عليه وقطعت التردد عنه وكونه ركنا يشعر بكونه من أفعال الحج فكان تناقضا ثم جعل الاحرام عبارة عن مجرد النية مخالف للغة فان الاحرام في اللغة هو الاهلال يقال احرم أي أهل بالحج وهو موافق لمذهبنا أي الاهلال لابد منه اما بنفسه أو بما يقوم مقامه على ما بينا والدليل على أن الاهلال شرط ما روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال لعائشة رضي الله عنها وقد رآها حزينة مالك فقالت انا قضيت عمرتي والقاني الحج عاركا فقال النبي صلى الله عليه وسلم ذاك شئ كتبه الله تعالى على بنات آدم حجى وقولي مثل ما يقول الناس في حجهم فدل قوله قولي ما يقول الناس في حجهم على لزوم التلبية لان الناس يقولونها وفيه إشارة إلى أن اجماع المسلمين حجة يجب اتباعها حيث أمرها باتباعهم بقوله قولي ما يقول الناس في حجهم وروينا عن عائشة رضي الله عنها انها قالت لا يحرم الا من أهل ولبى ولم يرو عن غيرها خلافه فيكون اجماعا ولان مجرد النية لا عبرة به في أحكام الشرع عرفنا ذلك بالنص والمعقول أما النص ما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال إن الله تعالى عفا عن أمتي ما تحدثت به أنفسهم ما لم يتكلموا أو يفعلوا وأما المعقول فهو أن النية وضعت لتعيين جهة الفعل في العبادة وتعيين المعدوم محال ولو أحرم بالحج ولم يعين حجة الاسلام وعليه حجة الاسلام يقع عن حجة الاسلام استحسانا والقياس أن لا يقع عن حجة الاسلام الا بتعيين النية وجه القياس أن الوقت يقبل الغرض والنفل فلا بد من التعيين بالنية بخلاف صوم رمضان أنه يتأدى بمطلق النية لان الوقت هناك لا يقبل صوما آخر فلا حاجة إلى التعيين بالنية والاستحسان ان الظاهر من حال من عليه حجة الاسلام انه لا يريد باحرام الحج حجة للتطوع ويبقى نفسه في عهده الفرض فيحمل على حجة الاسلام بدلالة حاله فكان الاطلاق فيه تعيينا كما في صوم رمضان ولو نوى التطوع يقع عن التطوع لأنا إنما أوقعناه عن الفرض عند اطلاق النية بدلالة حاله والدلالة لا تعمل مع النص بخلافه ولو لبى ينوى الاحرام ولا نية له في حج ولا عمرة مضى في أيهما شاء ما لم يطف بالبيت شوطا فان طاف شوطا كان احرامه عن العمرة والأصل في انعقاد الاحرام بالمجهول ما روى أن عليا وأبا موسى الأشعري رضي الله عنهما لما قدما من اليمن في حجة الوداع قال لهما النبي صلى الله عليه وسلم بماذا أهللتما فقالا باهلال كاهلال رسول الله صلى الله عليه وسلم فصار هذا أصلا في انعقاد الاحرام بالمجهول ولان الاحرام شرط جواز الأداء عندنا وليس بأداء بل هو عقد على الأداء فجاز ان ينعقد مجملا ويقف على البيان وإذا انعقد احرامه جاز له ان يؤدى به حجة أو عمرة وله الخيار في ذلك يصرفه إلى أيهما شاء ما لم يطف بالبيت شوطا واحدا فإذا طاف بالبيت شوطا واحدا كان احرامه للعمرة لان الطواف ركن في العمرة وطواف اللقاء في الحج ليس بركن بل هو سنة فايقاعه عن الركن أولى وتتعين العمرة بفعله كما تتعين بقصده قال الحاكم في الأصل وكذلك لو لم يطف حتى جامع أو أحصر كانت عمرة لان القضاء قد لزمه فيجب عليه الأقل إذ الأقل متيقن به وهو العمرة والله أعلم * (فصل) * وأما بيان مكان الاحرام فمكان الاحرام هو المسمى بالميقات فنحتاج إلى بيان المواقيت وما يتعلق بها من الأحكام فنقول وبالله التوفيق المواقيت تختلف باختلاف الناس والناس في حق المواقيت أصناف ثلاثة
(١٦٣)