عن السائب بن زيد رضي الله عنه أن عمر رضي الله عنه لما بعث العلاء بن الحضرمي إلى البحرين أمرء أن يأخذ من كل فرس شاتين أو عشرة دراهم ولأنها مال نام فاضل عن الحاجة الأصلية فتجب فيها الزكاة كما لو كانت للتجارة وأما قول النبي صلى الله عليه وسلم عفوت لكم عن صدقة الخيل والرقيق فالمراد منها الخيل المعدة للركوب والغزو لا للاسامة بدليل أنه فرق بين الخيل وبين الرقيق والمراد منها عبيد الخدمة الا ترى أنه أوجب فيها صدقة الفطر وصدقة الفطر إنما تجب في عبيد الخدمة أو يحتمل ما ذكرنا فيحمل عليه عملا بالدليلين بقدر الامكان وهو الجواب عن تعلقهم بالحديث الآخر وأما إذا كان الكل إناثا أو ذكورا فوجه رواية الوجوب الاعتبار بسائر السوائم من الإبل والبقر والغنم أنه تجب الزكاة فيها وإن كان كلها إناثا أو ذكورا كذا ههنا والصحيح أنه لا زكاة فيها لما ذكرنا أن مال الزكاة هو المال النامي ولا نماء فيها بالدر والنسل ولا لزيادة اللحم لان لحمها غير مأكول عنده بخلاف الإبل والبقر والغنم لان لحمها مأكول فكان زيادة اللحم فيها بالسمن بمنزلة الزيادة بالدر والنسل والله أعلم وأما البغال والحمير فلا شئ فيها وإن كانت سائمة لان المقصود منها الحمل والركوب عادة لا الدر والنسل لكنها قد تسام في غير وقت الحاجة لدفع مؤنة العلف وإن كانت للتجارة تجب الزكاة فيها * (فصل) * وأما بيان من له المطالبة بأداء الواجب في السوائم والأموال الظاهرة فالكلام فيه يقع في مواضع في بيان من له ولاية الاخذ وفي بيان شرائط ثبوت ولاية الآخذ وفي بيان القدر المأخوذ أما الأول فمال الزكاة نوعان ظاهر وهو المواشي والمال الذي يمر به التاجر على العاشر وباطن وهو الذهب والفضة وأموال التجارة في مواضعها أما الظاهر فللامام ونوابه وهم المصدقون من السعاة والعشار ولاية الاخذ والساعي هو الذي يسعى في القبائل ليأخذ صدقة المواشي في أماكنها والعاشر هو الذي يأخذ الصدقة من التاجر الذي يمر عليه والمصدق اسم جنس والدليل على أن للامام ولاية الاخذ في المواشي والأموال الظاهرة الكتاب والسنة والاجماع وإشارة الكتاب أما الكتاب فقوله تعالى خذ من أموالهم صدقة والآية نزلت في الزكاة عليه عامة أهل التأويل أمر الله عز وجل نبيه بأخذ الزكاة فدل أن للامام المطالبة بذلك والاخذ قال الله تعالى إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها فقد بين الله تعالى ذلك بيانا شافيا حيث جعل العاملين عليها حقا فلو لم يكن للامام أن يطالب أرباب الأموال بصدقات الانعام في أماكنها وكان أداؤها إلى أرباب الأموال لم يكن لذكر العاملين وجه واما السنة فان رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يبعث المصدقين إلى احياء العرب والبلدان والآفاق لاخذ الصدقات من الانعام والمواشي في أماكنها وعلى ذلك فعل الأئمة من بعده من الخلفاء الراشدين أبى بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم حتى قال الصديق رضي الله عنه لما امتنعت العرب عن أداء الزكاة والله لو منعوني عقالا كانوا يؤدونه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لحاربتهم عليه وظهر العمال بذلك من بعدهم إلى يومنا هذا وكذا المال الباطن إذا مر به التاجر على العاشر كان له أن يأخذ في الجملة لأنه لما سافر به وأخرجه من العمران صار ظاهرا والتحق بالسوائم وهذا لان الامام إنما كان له المطالبة بزكاة المواشي في أماكنها لمكان الحماية لان المواشي في البراري لا تصير محفوظة الا بحفظ السلطان وحمايته وهذا المعنى موجود في مال يمر به التاجر على العاشر فكان كالسوائم وعليه اجماع الصحابة رضي الله عنهم فان عمر رضي الله عنه نصب العشار وقال لهم خذوا من المسلم ربع العشر ومن الذمي نصف العشر ومن الحربي العشر وكان ذلك بمحضر من الصحابة رضي الله عنهم ولم ينقل أنه أنكر عليه واحد منهم فكان اجماعا وروى عن عمر بن عبد العزيز أنه كتب إلى عماله بذلك وقال أخبرني بهذا من سمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم وأما المال الباطن الذي يكون في المصر فقد قال عامة مشايخنا ان رسول الله صلى الله عليه وسلم طالب بزكاته وأبو بكر وعمر طالبا وعثمان طالب زمانا ولما كثرت أموال الناس ورأي أن في تتبعها حرجا على الأمة وفى تفتيشها ضررا بأرباب الأموال فوض الأداء إلى أربابها وذكر أمام الهدى الشيخ أبو منصور الماتريدي السمرقندي رحمه الله وقال لم يبلغنا أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث في مطالبة
(٣٥)