اذنه لأنه لا حق له في منافعها فلا يملك منعها كما لا يملك منع الأجنبية ولو أراد المسافر دخول مصره أو مصرا آخر ينوى فيه الإقامة يكره له أن يفطر في ذلك اليوم وإن كان مسافرا في أوله لأنه اجتمع المحرم للفطر وهو الإقامة والمرخص والمبيح وهو السفر في يوم واحد فكان الترجيح للمحرم احتياطا فإن كان أكبر رأيه أن لا يتفق دخوله المصر حتى تغيب الشمس فلا بأس بالفطر فيه ولا بأس بقضاء رمضان في عشر ذي الحجة وهو مذهب عمر وعامة الصحابة رضي الله عنهم الا شيئا حكى عن علي رضي الله عنه أنه قال يكره فيها لما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم انه نهى عن قضاء رمضان في العشر والصحيح قول العامة لقوله تعالى فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر مطلقا من غير فصل ولأنها وقت يستحب فيها الصوم فكان القضاء فيها أولى من القضاء في غيرها وما روى من الحديث غريب في حد الأحاديث فلا يجوز تقييد مطلق الكتاب وتخصيصه بمثله أو نحمله على الندب في حق من اعتاد التنفل بالصوم في هذه الأيام فالأفضل في حقه أن يقضى في غيرها لئلا تفوته فضيلة صوم هذه الأيام ويقضى صوم رمضان في وقت آخر والله أعلم بالصواب * (كتاب الاعتكاف) * الكلام في هذا الكتاب يقع في مواضع في بيان صفة الاعتكاف وفي بيان شرائط صحته وفي بيان ركنه ويتضمن بيان محظورات الاعتكاف وما يفسده ومالا يفسده وفي بيان حكمه إذا فسد وفي بيان حكمه إذا فات عن وقته المعين له أما الأول فالاعتكاف في الأصل سنة وإنما يصير واجبا بأحد أمرين أحدهما قول وهو النذر المطلق بأن يقول لله على أن أعتكف يوما أو شهرا أو نحو ذلك أو علقه بشرط بأن يقول إن شفى الله مريض أو ان قدم فلان فلله على أن أعتكف شهرا أو نحو ذلك والثاني فعل وهو الشروع لان الشروع في التطوع ملزم عندنا كالنذر والدليل على أن ه في الأصل سنة مواظبة النبي صلى الله عليه وسلم فإنه روى عن عائشة وأبي هريرة رضي الله عنهما انهما قالا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعتكف العشر الأواخر من شهر رمضان حتى توفاه الله تعالى وعن الزهري أنه قال عجبا للناس تركوا الاعتكاف وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل الشئ ويتركه ولم يترك الاعتكاف منذ دخل المدينة إلى أن مات ومواظبة النبي صلى الله عليه وسلم عليه دليل كونه سنة في الأصل ولان الاعتكاف تقرب إلى الله تعالى بمجاورة بيته والاعراض عن الدنيا والاقبال على خدمته لطلب الرحمة وطمع المغفرة حتى قال عطاء الخراساني مثل المعتكف مثل الذي ألقى نفسه بين يدي الله تعالى يقول لا أبرح حتى يغفر لي ولأنه عبادة لما فيه من اظهار العبودية لله تعالى بملازمة الأماكن المنسوبة إليه والعزيمة في العبادات القيام بها بقدر الامكان وانتفاء الحرج وإنما رخص تركها في بعض الأوقات فكان الاشتغال بالاعتكاف اشتغالا بالعزيمة حتى لو نذر به يلتحق بالعزائم الموظفة التي لا رخصة في تركها والله أعلم * (فصل) * وأما شرائط صحته فنوعان نوع يرجع إلى المعتكف ونوع يرجع إلى المعتكف فيه أما ما يرجع إلى المعتكف فمنها الاسلام والعقل والطهارة عن الجنابة والحيض والنفاس وانها شرط الجواز في نوعي الاعتكاف الواجب والتطوع جميعا لان الكافر ليس من أهل العبادة وكذا المجنون لان العبادة لا تؤدى الا بالنية وهو ليس من أهل النية والجنب والحائض والنفساء ممنوعون عن المسجد وهذه العبادة لا تؤدى الا في المسجد وأما البلوغ فليس بشرط لصحة الاعتكاف فيصح من الصبي العاقل لأنه من أهل العبادة كما يصح منه صوم التطوع ولا تشترط الذكورة والحرية فيصح من المرأة والعبد بإذن المولى والزوج إن كان لها زوج لأنهما من أهل العبادة وإنما المانع حق الزوج والمولى فإذا وجد الاذن فقد زال المانع ولو نذر المملوك اعتكافا فللمولى أن يمنعه عنه فإذا أعتق قضاه وكذلك المرأة إذا نذرت فلزوجها أن يمنعها فإذا بانت قضت لان للزوج ملك المنفعة فيها وللمولى ملك الذات والمنفعة في المملوك وفى الاعتكاف تأخير
(١٠٨)