بلا خلاف فكذا فيما له مثل لان الآية عامة منتظمة للامرين جميعا ومنها ان كفارة جزاء الصيد على التخيير كذا روى عن ابن عباس رضي الله عنهما وهو مذهب جماعة من التابعين مثل عطاء والحسن وإبراهيم وهو قول أصحابنا وعن ابن عباس رواية أخرى انه على ترتيب الهدى ثم الاطعام ثم الصيام حتى لو وجد الهدى لا يجوز الطعام ولو وجد الهدى أو الطعام لا يجوز الصيام كما في كفارة الظهار والافطار انها على الترتيب دون التخيير واحتج من اعتبر الترتيب بما روى أن جماعة من الصحابة رضي الله عنهم حكموا في الضبع بشاة ولم يذكروا غيره فدل ان الواجب على الترتيب ولنا ان الله تعالى ذكر حرف أو في ابتداء الايجاب وحرف أو إذا ذكر في ابتداء الايجاب يراد به التخيير لا الترتيب كما في قوله عز وجل في كفارة اليمين فكفارته اطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم أو كسوتهم أو تحرير رقبة وقوله تعالى في كفارة الحلق ففدية من صيام أو صدقة أو نسك وغير ذلك هذا هو الحقيقة الا في موضع قام الدليل بخلافها كما في آية المحاربين انه ذكر فيها أو على إرادة الواو ومن ادعى خلاف الحقيقة ههنا فعليها الدليل ثم إذا اختار الهدى فان بلغت قيمة الصيد بدنة نحرها وان لم تبلغ بدنة وبلغت بقرة ذبحها وان لم تبلغ بقرة وبلغت شاة ذبحها وان اشترى بقيمة الصيد إذا بلغت بدنة أو بقرة سبع شياه وذبحها أجزأه فان اختار شراء الهدى وفضل من قيمة الصيد فان بلغ هديين أو أكثر اشترى وإن كان لا يبلغ هديا فهو بالخيار ان شاء صرف الفاضل إلى الطعام وان شاء صام كما في صيد الصغير الذي لا تبلغ قيمته هديا وقد اختلف في السن الذي يجوز في جزاء الصيد قال أبو حنيفة لا يجوز الا ما يجوز في الأضحية وهدى المتعة والقران والاحصار وقال أبو يوسف ومحمد تجوز الجفرة والعناق على قدر الصيد واحتجا بما روى عن جماعة من الصحابة رضي الله عنهم أنهم أوجبوا في اليربوع جفرة وفى الأرنب عناقا ولأبي حنيفة أن اطلاق الهدى ينصرف إلى ما ينصرف إليه سائر الهدايا المطلقة في القرآن فلا يجوز دون السن الذي يجزى في سائر الهدايا وما روى عن جماعة من الصحابة حكاية حال لا عموم له فيحمل على أنه كان على طريق القيمة على أن ابن عباس رضي الله عنهما يخالفهم فلا يقبل قول بعضهم على بعض الا عند قيام دليل الترجيح ثم اسم الهدى يقع على الإبل والبقر والغنم على ما بينا فيما تقدم ولا يجوز ذبح الهدى الا في الحرم لقوله تعالى هديا بالغ الكعبة ولو جاز ذبحه في غير الحرم لم يكن لذكر بلوغه الكعبة معنى وليس المراد منه بلوغ عين الكعبة بل بلوغ قربها وهو الحرم ودلت الآية الكريمة على أن من حلف لا يمر على باب الكعبة أو المسجد الحرام فمر بقرب بابه حنث وهو كقوله تعالي فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا والمراد منه الحرم لأنهم منعوا بهذه الآية الكريمة عن دخول الحرم وعن ابن عباس رضي الله عنه ما أنه قال الحرم كله مسجد ولان الهدى اسم لما يهدى إلى مكان الهدايا أي ينقل إليها ومكان الهدايا الحرم لقوله تعالى ثم محلها إلى البيت العتيق والمراد منه الحرم وروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال منى كلها منحر وفجاج مكة كلها منحر ولو ذبح في الحل لا يسقط عنه الجزاء بالذبح الا أن يتصدق بلحمه على الفقراء على كل فقير قيمة نصف صاع من بر فيجزئه على طريق البدل عن الطعام وإذا ذبح الهدى في الحرم سقط الجزاء عنه بنفس الذبح حتى لو هلك أو سرق أو ضاع بوجه من الوجوه خرج عن العهدة لان الواجب هو إراقة الدم وان اختار الطعام اشترى بقيمة الصيد طعاما فأطعم كل مسكين نصف صاع من بر ولا يجزيه أقل من ذلك كما في كفارة اليمين وفدية الأذى ويجوز الاطعام في الأماكن كلها عندنا وعند الشافعي لا يجوز الا في الحرم كما لا يجوز الذبح الا في الحرم توسعة على أهل الحرم ولنا أن قوله تعالى أو كفارة طعام مساكين مطلق عن المكان وقياس الطعام على الذبح بمعنى التوسعة على أهل الحرم قد أبطلناه فيما تقدم ولان الإراقة لم تعقل قربة بنفسها وإنما عرفت قربة بالشرع والشرع ورد بها في مكان مخصوص أو زمان مخصوص فيتبع مورد الشرع فيتقيد كونها قربة بالمكان الذي ورد الشرع بكونها قربة فيه وهو الحرم فاما الاطعام فيعقل قربة بنفسه لأنه من باب الاحسان إلى المحتاجين فلا يتقيد كونه قربة بمكان كمالا يتقيد بزمان وتجوز فيه الإباحة والتمليك لما نذكره في كتاب الكفارات ولا
(٢٠٠)