ويجوز أن يقال يتداخلان وسواء تولى صيده بنفسه أو بغيره من المحرمين بأمره أو رمى صيدا فقتله أو أرسل كلبه أو بازيه المعلم أنه لا يحل له لان صيد غيره بأمره صيده معنى وكذا صيد البازي والكلب والسهم لان فعل الاصطياد منه وإنما ذلك آلة الاصطياد والفعل المستعمل الآلة لا للآلة ويحل للمحرم أكل صيد اصطاده الحلال لنفسه عند عامة العلماء وقال داود بن علي الأصفهاني لا يحل والمسألة مختلفة بين الصحابة رضي الله عنهم روى عن طلحة وعبيد الله وقتادة وجابر وعثمان في رواية انه يحل وعن علي وابن عباس وعثمان في راوية انه لا يحل واحتج هؤلاء بقوله تعالى وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما أخبر أن صيد البر محرم على المحرم مطلقا من غير فصل بين أن يكون صيد المحرم أو الحلال وهكذا قال ابن عباس ان الآية مبهمة لا يحل لك ان تصيده ولا أن تأكله وروى عن ابن عباس رضي الله عنه ان الصعب بن جثامة اهدى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لحم حمار وحش وهو بالابواء أو بودان فرده فرأى النبي صلى الله عليه وسلم في وجهه كراهة فقال ليس بنا رد عليك ولكنا حرم وفى رواية قال لولا انا حرم لقبلناه منك وعن زيد بن أرقم ان النبي صلى الله عليه وسلم نهى المحرم عن لحم الصيد مطلقا ولنا ما روى عن أبي قتادة رضي الله عنه انه كان حلالا وأصحابه محرمون فشد على حمار وحش فقتله فأكل منه بعض أصحابه وأبى البعض فسألوا عن ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما هي طعمة أطعمكموها الله هل معكم من لحمه شئ وعن جابر رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لحم صيد البر حلال لكم وأنتم حرم ما لم تصيدوه أو يصاد لكم وهذا نص في الباب ولا حجة لهم في الآية لان فيها تحريم صيد البر لا تحريم لحم الصيد وهذا لحم الصيد وليس بصيد حقيقة لانعدام معنى الصيد وهو الامتناع والتوحش على أن الصيد في الحقيقة مصدر وإنما يطلق على المصيد مجازا واما حديث الصعب بن جثامة فقد اختلفت الروايات فيه عن ابن عباس رضي الله عنه روى في بعضها انه اهدى إليه حمارا وحشيا كذا روى مالك وسعيد بن جبير وغيرهما عن ابن عباس فلا يكون حجة وحديث زيد بن أرقم محمول على صيد صاده بنفسه أو غيره بأمره أو باعانته أو بدلالته أو بإشارته عملا بالدلائل كلها وسواء صاده الحلال لنفسه أو للمحرم بعد ان لا يكون بأمره عندنا وقال الشافعي إذا صاده له لا يحل له أكله واحتج بما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال صيد البر حلال لكم وأنتم حرم ما لم تصيدوه أو يصاد لكم ولا حجة له فيه لأنه لا يصير مصيدا له الا بأمره وبه نقول والله أعلم وأما حكم الصيد إذا جرحه المحرم فان جرحه جرحا يخرجه عن حد الصيد وهو الممتنع المتوحش بأن قطع رجل ظبي أو جناح طائر فعليه الجزاء لأنه اتلفه حيث أخرجه عن حد الصيد فيضمن قيمته وان جرحه جرحا لم يخرجه عن حد الصيد يضمن ما نقصته الجراحة لوجود اتلاف ذلك القدر من الصيد فان اندملت الجراحة وبرئ الصيد لا يسقط الجزاء لان الجزاء يجب باتلاف جزء من الصيد وبالاندمال لا يتبين ان الاتلاف لم يكن بخلاف ما إذا جرح آدميا فاندملت جراحته ولم يبق لها أثر انه لا ضمان عليه لأن الضمان هناك إنما يجب لأجل الشين وقد ارتفع فان رمى صيدا فجرحه فكفر عنه ثم رآه بعد ذلك فقتله فعليه كفارة أخرى لأنه لما كفر الجراحة ارتفع حكمها وجعلت كان لم تكن وقتله الآن ابتداء فيجب عليه الضمان لكن ضمان صيد مجروح لان تلك الجراحة قد أخرج ضمانها مرة فلا تجب مرة أخرى فان جرحه ولم يكفر ثم رآه بعد ذلك فقتله فعليه الكفارة وليس عليه في الجراحة شئ لأنه لما قتله قبل أن يكفر عن الجراحة صار كأنه قتله دفعة واحدة وذكر الحاكم في مختصره الا ما نقصته الجراحة الأولى أي يلزمه ضمان صيد مجروح لان ذلك النقصان قد وجب عليه ضمانه مرة فلا يجب مرة أخرى ولو جرح صيدا فكفر عنه قبل أن يموت ثم مات أجزأته الكفارة التي أداها لأنه ان أدى الكفارة قبل وجوبها لكن بعد وجود سبب الوجوب وانه جائز كما لو جرح انسانا خطأ فكفر عنه ثم مات المجروح انه يجوز لما قلنا كذا هذا وان نتف ريش صيد أو قلع سن ظبي فنبت وعاد إلى ما كان أو ضرب على عين ظبي فابيضت ثم ارتفع بياضها قال أبو حنيفة في سن الظبي انه لا شئ عليه إذا نبت ولم يحك عنه في غيره شئ وقال أبو يوسف عليه صدقة وجه قوله إن وجوب
(٢٠٥)