يؤكل لحومها برية كانت أو بحرية لان الطيور كلها برية لان توالدها في البر وإنما يدخل بعضها في البحر لطلب الرزق والأصل فيه قوله تعالى وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما وقوله تعالى لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم ظاهر الآيتين يقتضى تحريم صيد البر للمحرم عاما أو مطلقا الا ما خص أو قيد بدليل وقوله تعالى يا أيها الذين آمنوا ليبلونكم الله بشئ من الصيد تناله أيديكم ورماحكم والمراد منه الابتلاء بالنهي بقوله تعالى في سياق الآية فمن اعتدى بعد ذلك فله عذاب أليم أي اعتدى بالاصطياد بعد تحريمه والمراد منه صيد البر لان صيد البحر مباح بقوله تعالى أحل لكم صيد البحر وكذا لا يحل له الدلالة عليه والإشارة إليه بقوله صلى الله عليه وسلم الدال على الخير كفاعله والدال على الشر كفاعله ولان الدلالة والإشارة سبب إلى القتل وتحريم الشئ تحريم لأسبابه وكذا لا يحل له الإعانة على قتله لان الإعانة فوق الدلالة والإشارة وتحريم الأدنى تحريم الاعلى من طريق الأولى كالتأفيف مع الضرب والشتم وأما غير المأكول فنوعان نوع يكون مؤذيا طبعا مبتدئا بالأذى غالبا ونوع لا يبتدئ بالأذى غالبا اما الذي يبتدئ بالأذى غالبا فللمحرم أن يقتله ولا شئ عليه وذلك نحو الأسد والذئب والنمر والفهد لان دفع الأذى من غير سبب موجب للأذى واجب فضلا عن الإباحة ولهذا أباح رسول الله صلى الله عليه وسلم قتل الخمس الفواسق للمحرم في الحل والحرم بقوله صلى الله عليه وسلم خمس من الفواسق يقتلهن المحرم في الحل والحرم الحية والعقرب والفأرة والكلب العقور والغراب وروى والحدأة وروى عن ابن عمر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال خمس يقتلهن المحل والمحرم في الحل والحرم الحدأة والغراب والعقرب والفأرة والكلب العقور وروى عن عائشة رضي الله عنها قالت أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتل خمس فواسق في الحل والحرم الحدأة والفأرة والغراب والعقرب والكلب العقور وعلة الإباحة فيها هي الابتداء بالأذى والعدو على الناس غالبا فان من عادة الحدأة ان تغير على اللحم والكرش والعقرب تقصد من تلدغه وتتبع حسه وكذا الحية والغراب يقع على دبر البعير وصاحبه قريب منه والفأرة تسرق أموال الناس والكلب العقور من شأنه العدو على الناس وعقرهم ابتداء من حيث الغالب ولا يكاد يهرب من بني آدم وهذا المعنى موجود في الأسد والذئب والفهد والنمر فكان ورود النص في تلك الأشياء ورودا في هذه دلالة قال أبو يوسف الغراب المذكور في الحديث هو الغراب الذي يأكل الجيف أو يخلط مع الجيف إذ هذا النوع هو الذي يبتدئ بالأذى والعقعق ليس في معناه لأنه لا يأكل الجيف ولا يبتدئ بالأذى وأما الذي لا يبتدئ بالأذى غالبا كالضبع والثعلب وغيرهما فله أن يقتله ان عدى عليه ولا شئ عليه إذا قتله وهذا قول أصحابنا الثلاثة وقال زفر يلزمه الجزاء وجه قوله إن المحرم للقتل قائم وهو الاحرام فلو سقطت الحرمة إنما تسقط بفعله وفعل العجماء جبار فبقي محرم القتل كما كان كالجمل الصؤل إذا قتله انسان انه يضمن لما قلنا كذا هذا ولنا انه لما عدا عليه وابتدأه بالأذى التحق بالمؤذيات طبعا فسقطت عصمته وقد روى عن عمر رضي الله عنه انه ابتدأ قتل ضبع فادى جزاءها وقال إنا ابتدأناها فتعليله بابتدائه قتله إشارة إلى أنها لو ابتدأت لا يلزمه الجزاء وقوله الاحرام قائم مسلم لكن أثره في أن لا يتعرض للصيد لا في وجوب تحمل الأذى بل يجب عليه دفع الأذى لأنه من صيانة نفسه عن الهلاك وانه واجب فسقطت عصمته في حال الأذى فلم يجب الجزاء بخلاف الجمل الصائل لان عصمته ثبتت حقا لمالكه ولم يوجد منه ما يسقط العصمة فيضمن القاتل وان لم يعد عليه لا يباح له أن يبتدئه بالقتل وان قتله ابتداء فعليه الجزاء عندنا وعند الشافعي يباح له قتله ابتداء ولا جزاء عليه إذا قتله وجه قوله إن النبي صلى الله عليه وسلم أباح للمحرم قتل خمس من الدواب وهي لا يؤكل لحمها والضبع والثعلب ما لا يؤكل لحمه فكان ورود النص هناك ورودا ههنا ولنا قوله تعالى يا أيها الذين آمنوا لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم وقوله وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما وقوله يا أيها الذين آمنوا ليبلونكم الله بشئ من الصيد تناله أيديكم ورماحكم عاما أو مطلقا من غير فصل بين المأكول وغيره واسم الصيد يقع على المأكول وغير المأكول لوجود حد الصيد فيهما جميعا والدليل عليه قول الشاعر
(١٩٧)