الذباب يقعن علي النجاسة ثم يقعن علي ثياب المصلى ولا بدو أن يكون على أجنحتهن وأرجلهن نجاسة قليلة فلو لم يجعل عفو الوقع الناس في الحرج ومثل هذه البلوى في الحدث منعدمة ولأنا أجمعنا على جواز الصلاة بدون الاستنجاء بالماء ومعلوم أن الاستنجاء بالأحجار لا يستأصل النجاسة حتى لو جلس في الماء القليل أفسده فهو دليل ظاهر على أن القليل من النجاسة عفو ولهذا قدرنا بالدرهم على سبيل الكناية عن موضع خروج الحدث كذا قاله إبراهيم النخعي انهم استقبحوا ذكر المقاعد في مجالسهم فكنوا عنه بالدرهم تحسينا للعبارة وأخذا بصالح الأدب وأما النجاسة الكثيرة فتمنع جواز الصلاة واختلفوا في الحد الفاصل بين القليل والكثير من النجاسة قال إبراهيم النخعي إذا بلغ مقدار الدرهم فهو كثير وقال الشعبي لا يمنع حتى يكون أكثر من قدر الدرهم الكبير وهو قول عامة العلماء وهو الصحيح لما روينا عن عمر رضي الله عنه انه عد مقدار ظفره من النجاسة قليلا حيث لم يجعله مانعا من جواز الصلاة وظفره كان قريبا من كفنا فعلم أن قدر الدرهم عفو ولان أثر النجاسة في موضع الاستنجاء عفو وذلك يبلغ قدر الدرهم خصوصا في حق المبطون ولان في ديننا سعة وما قلناه أوسع فكان أليق بالحنيفية السمحة ثم لم يذكر في ظاهر الرواية صريحا أن المراد من الدرهم الكبير من حيث العرض والمساحة أو من حيث الوزن وذكر في النوادر الدرهم الكبير ما يكون عرض الكف وهذا موافق لما روينا من حديث عمر رضي الله عنه لان ظفره كان كعرض كف أحدنا وذكر الكرخي مقدار مساحة الدرهم الكبير وذكر في كتاب الصلاة الدرهم الكبير المثقال فهذا يشير إلى الوزن وقال الفقيه أبو جعفر الهندواني لما اختلفت عبارات محمد في هذا فنوفق ونقول أراد بذكر العرض تقدير المائع كالبول والخمر ونحوهما ويذكر الوزن تقدير المستجسد كالعذرة ونحوها فإن كانت أكثر من مثقال ذهب وزنا تمنع والا فلا وهو المختار عند مشايخنا بما وراء النهر وأما حد الكثير من النجاسة الخفيفة فهو الكثير الفاحش في ظاهر الرواية وروى عن أبي يوسف أنه قال سألت أبا حنيفة عن الكثير الفاحش فكره أن يحد له حدا وقال الكثير الفاحش ما يستفحشه الناس ويستكثرونه وروى الحسن عنه أنه قال شبر في شبر وهو المروى عن أبي يوسف أيضا وروى عنه ذراع في ذراع وروى أكثر من نصف الثوب وروى نصف الثوب ثم في رواية نصف كل الثوب وفى رواية نصف طرف منه أما التقدير بأكثر من النصف فلان الكثرة والقلة من الأسماء الإضافية لا يكون الشئ قليلا الا أن يكون بمقابلته كثير وكذا لا يكون كثيرا الا وأن يكون بمقابلته قليل والنصف ليس بكثير لأنه ليس في مقابلته قليل فكان الكثير أكثر من النصف لان بمقابلته ما هو أقل منه وأما التقدير بالنصف فلان العفو هو القليل والنصف ليس بقليل إذ ليس بمقابلته ما هو أقل منه وأما التقدير بالشبر فلان أكثر الضرورة تقع لباطن الخفاف وباطن الخفين شبر في شبر وأما التقدير بالذراع فلان الضرورة في ظاهر الخفين وباطنهما وذلك ذراع في ذراع وذكر الحاكم في مختصره عن أبي حنيفة ومحمد الربع وهو الأصح لان للربع حكم الكل في أحكام الشرع في موضع الاحتياط ولا عبرة بالكثرة والقلة حقيقة الا ترى أن الدرهم جعل حدا فاصلا بين القليل والكثير شرعا مع أن عدام ما ذكر الا أنه لا يمكن التقدير بالدرهم في بعض النجاسات لانحطاط رتبتها عن المنصوص عليها فقدر بما هو كثير في الشرع في موضع الاحتياط وهو الربع واختلف المشايخ في تفسير الربع قيل ربع جميع الثوب لأنهما قدراه بربع الثوب والثوب اسم للكل وقيل ربع كل عضو وطرف اصابته النجاسة من اليد والرجل والذيل والكم والدخريص لان كل قطعة منها قبل الخياطة كان ثوبا على حدة فكذا بعد الخياطة وهو الأصح ثم لم يذكر في ظاهر الرواية تفسير النجاسة الغليظة والخفيفة وذكر الكرخي أن النجاسة الغليظة عند أبي حنيفة ما ورد نص على نجاسته ولم يرد نص على طهارته معارضا له وان اختلف العلماء فيه والخفيفة ما تعارض نصان في طهارته ونجاسته وعند أبي يوسف ومحمد الغليظة ما وقع الاتفاق على نجاسته والخفيفة ما اختلف العلماء في نجاسته وطهارته (إذا) عرف هذا الأصل فالأرواث كلها نجسة نجاسة غليظة عند أبي حنيفة لأنه ورد نص يدل على نجاستها وهو ما روينا عن ابن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم طلب منه ليلة الجن أحجار الاستنجاء
(٨٠)