الوقت فكذلك عند عامة العلماء وقال مالك يعيد وجه قوله أن الوقت أقيم مقام الأداء شرعا كما في المستحاضة فكان الوجود في الوقت كالوجود في أثناء الأداء حقيقة ولان التيمم بدل فإذا قدر على الأصل بطل البدل كالشيخ الفاني إذا فدى أو أحج ثم قدر على الصوم والحج بنفسه (ولنا) ان الله تعالى علق جواز التيمم بعدم الماء فإذا صلى حالة العدم فقد أدى الصلاة بطهارة معتبرة شرعا فيحكم بصحتها فلا معنى لوجوب الإعادة وروى أن رجلين أتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد تيمما من جنابة وصليا وأدركا الماء في الوقت فأعاد أحدهما الصلاة ولم يعد الاخر فقال صلى الله عليه وسلم للذي أعاد أما أنت فقد أوتيت أجرك مرتين وقال للآخر أما أنت فقد أجزأتك صلاتك عنك أي كفتك جزى وأجزأ مهموزا بمعنى الكفاية وهذا ينفى وجوب الإعادة وما ذكر من اعتبار الوجود بعد الفراغ من الصلاة بالوجود في الصلاة غير سديد لأنه مخالف للحقيقة من غير ضرورة الا ترى أن الحدث الحقيقي بعد الفراغ من الصلاة لا يجعل كالموجود في خلال الصلاة كذا هذا وأما قوله إنه قدر على الأصل فنعم لكن بعد حصول المقصود بالبدل والقدرة على الأصل بعد حصول المقصود بالبدل لا تبطل حكم البدل كالمعتدة بالأشهر إذا حاضت بعد انقضاء العدة بالأشهر بخلاف الشيخ الفاني إذا أحج رجلا بماله وفدى عن صومه ثم قدر بنفسه لأن جواز الاحجاج والفدية معلق باليأس عن الحج بنفسه والصوم بنفسه فإذا قدر بنفسه ظهر انه لا يأس فاما جواز التيمم فمعلق بالعجز عن استعمال الماء والعجز كان متحققا عند الصلاة وبوجود الماء بعد ذلك لا يظهر انه لا عجز فهو الفرق * (فصل) * وأما الطهارة الحقيقية وهي الطهارة عن النجس فالكلام فيها في الأصل في ثلاثة مواضع أحدها في بيان أنواع الأنجاس والثاني في بيان المقدار الذي يصير المحل به نجسا شرعا والثالث في بيان ما يقع به تطهير النجس (أما) أنواع الأنجاس فمنها ما ذكره الكرخي في مختصره ان كل ما يخرج من بدن الانسان مما يجب بخروجه الوضوء أو الغسل فهو نجس من البول والغائط والودي والمذي والمني ودم الحيض والنفاس والاستحاضة والدم السائل من الجرح والصديد والقئ ملء الفم لان الواجب بخروج ذلك مسمى بالتطهير قال الله تعالى في آخر آية الوضوء ولكن يريد ليطهركم وقال في الغسل من الجنابة وان كنتم جنبا فاطهروا وقال في الغسل من الحيض ولا تقربوهن حتى يطهرن والطهارة لا تكون الا عن نجاسة وقال تعالى ويحرم عليهم الخبائث والطباع السليمة تستخبث هذه الأشياء والتحريم لا للاحترام دليل النجاسة ولان معنى النجاسة موجود في ذلك كله إذ النجس اسم للمستقذر وكل ذلك مما تستقذره الطباع السليمة لاستحالته إلى خبث ونتن رائحة ولا خلاف في هذه الجملة الا في المنى فان الشافعي زعم أنه طاهر (واحتج) بما روى عن عائشة رضي الله عنها انها قالت كنت أفرك المنى من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم فركا وهو يصلى فيه والواو واو الحال أي في حال صلاته ولو كان نجسا لما صح شروعه في الصلاة معه فينبغي أن يعيد ولم ينقل الينا الإعادة وعن ابن عباس رضي الله عنه أنه قال المنى كالمخاط فامطه عنك ولو بالإذخر شبهه بالمخاط والمخاط ليس بنجس كذا المنى وبه تبين ان الامر بإماطته لا لنجاسته بل لقذارته ولأنه أصل الآدمي المكرم فيستحيل أن يكون نجسا (ولنا) ما روى أن عمار بن ياسر رضي الله عنه كان يغسل ثوبه من النجاسة فمر عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له ما تصنع يا عمار فأخبره بذلك فقال صلى الله عليه وسلم ما نخامتك ودموع عينيك والماء الذي في ركوتك الا سواء إنما يغسل الثوب من خمس بول وغائط وقئ ومنى ودم أخبر ان الثوب يغسل من هذه الجملة لا محالة وما يغسل الثوب منه لا محالة يكون نجسا فدل ان المنى نجس وروى عن عائشة رضي الله عنها ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لها إذا رأيت المنى في ثوبك فإن كان رطبا فاغسليه وإن كان يابسا فحتيه ومطلق الامر محمول على الوجوب ولا يجب الا إذا كان نجسا ولان الواجب بخروجه أغلظ الطهارتين وهي الاغتسال والطهارة لا تكون الا عن نجاسة وغلظ الطهارة يدل على غلظ النجاسة كدم الحيض والنفاس ولأنه يمر بميزاب النجس فينجس
(٦٠)