اعتبار حالة الاستعمال في عضو واحد حقيقة أو في عضو واحد حكما كما في الجنابة ضرورة دفع الحرج فإذا زايل العضو زالت الضرورة فيظهر حكم الاستعمال بقضية القياس وقد خرج الجواب عن المسألة الأولى (واما) المسألة الثانية فقد ذكر الحاكم الجليل انها على التفصيل ان لم يكن استعمله في شئ من أعضائه يجوز اما إذا كان استعمله لا يجوز والصحيح أنه يجوز وان استعمله في المغسولات لان فرض الغسل إنما تأدى بماء جرى على عضوه لا بالبلة الباقية فلم تكن هذه البلة مستعملة بخلاف ما إذا استعمله في المسح على الخف ثم مسح به رأسه حيث لا يجوز لان فرض المسح يتأدى بالبلة وتفصيل الحاكم محمول على هذا وما مسح بالمنديل أو تقاطر على الثوب فهو مستعمل الا انه لا يمنع جواز الصلاة لأن الماء المستعمل طاهر عند محمد وهو المختار وعندهما وإن كان نجسا لكن سقوط اعتبار نجاسته ههنا لمكان الضرورة (واما) بيان سبب صيرورة الماء مستعملا فعند أبي حنيفة وأبى يوسف الماء إنما يصير مستعملا بأحد أمرين اما بإزالة الحدث أو بإقامة القربة وعند محمد لا يصير مستعملا الا بإقامة القربة وعند زفر والشافعي لا يصير مستعملا الا بإزالة الحدث وهذا الاختلاف لم ينقل عنهم نصا لكن مسائلهم تدل عليه والصحيح قول أبي حنيفة وأبى يوسف لما ذكرنا من زوال المانع من الصلاة إلى الماء واستخباث الطبيعة إياه في الفصلين جميعا إذا عرفنا هذا فنقول إذا توضأ بنية إقامة القربة نحو الصلاة المعهودة وصلاة الجنازة ودخول المسجد ومس المصحف وقراءة القرآن ونحوها فإن كان محدثا صار الماء مستعملا بلا خلاف لوجود السببين وهو إزالة الحدث وإقامة القربة جميعا وان لم يكن محدثا يصير مستعملا عند أصحابنا الثلاثة لوجود إقامة القربة لكون الوضوء على الوضوء نورا على نور وعند زفر والشافعي لا يصير مستعملا لانعدام إزالة الحدث ولو توضأ أو اغتسل للتبرد فإن كان محدثا صار الماء مستعملا عند أبي حنيفة وأبى يوسف وزفر والشافعي لوجود إزالة الحدث وعن محمد لا يصير مستعملا لعدم إقامة القربة وان لم يكن محدثا لا يصير مستعملا بالاتفاق على اختلاف الأصول ولو توضأ بالماء المقيد كماء الورد ونحوه لا يصير مستعملا بالاجماع لان التوضؤ به غير جائز فلم يوجد إزالة الحدث ولا إقامة القربة وكذا إذا غسل الأشياء الطاهرة من النبات والثمار والأواني والأحجار ونحوها أو غسل يده من الطين والوسخ وغسلت المرأة يدها من العجين أو الحناء ونحو ذلك لا يصير مستعملا لما قلنا ولو غسل يده للطعام أو من الطعام لقصد إقامة السنة صار الماء مستعملا لان إقامة السنة قربة لقول النبي صلى الله عليه وسلم الوضوء قبل الطعام بركة وبعده ينفى اللمم ولو توضأ ثلاثا ثلاثا ثم زاد على ذلك فان أراد بالزيادة ابتداء الوضوء صار الماء مستعملا لما قلنا وان أراد الزيادة على الوضوء الأول اختلف المشايخ فيه فقال بعضهم لا يصير مستعملا لان الزيادة على الثلاث من باب التعدي بالنص وقال بعضهم يصير مستعملا لان الزيادة في معنى الوضوء على الوضوء فكانت قربة ولو أدخل جنب أو حائض أو محدث يده في الاناء قبل أن يغسلها وليس عليها قذر أو شرب الماء منه فقياس أصل أبي حنيفة وأبى يوسف ان يفسد وفى الاستحسان لا يفسد وجه القياس أن الحدث زال عن يده بادخالها في الماء وكذا عن شفته فصار مستعملا وجه الاستحسان ما روى عن عائشة رضي الله عنها انها قالت كنت أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم نغتسل من إناء واحد وربما كانت تتنازع فيه الأيدي وروينا أيضا عن عائشة رضي الله عنها انها كانت تشرب من إناء وهي حائض وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يشرب من ذلك الاناء وكان يتتبع مواضع فمها حبا لها ولان التحرز عن إصابة الحدث والجنابة والحيض غير ممكن وبالناس حاجة إلى الوضوء والاغتسال والشرب وكل واحد لا يملك الاناء ليغترف الماء من الاناء العظيم ولا كل أحد يملك أن يتخذ آنية على حدة للشرب فيحتاج إلى الاغتراف باليد والشرب من كل آنية فلو لم يسقط اعتبار نجاسة اليد والشفة لوقع الناس في الحرج حتى لو أدخل رجله فيه يفسد الماء لانعدام الحاجة إليه في الاناء ولو أدخلها في البئر لم يفسده كذا ذكر أبو يوسف في الأمالي لأنه يحتاج إلى ذلك في البئر لطلب الدلو فجعل عفوا ولو أدخل في الاناء أو البئر بعض جسده سوى اليد والرجل أفسده لأنه لا حاجة إليه وعلى هذا الأصل تخرج مسألة البئر إذا انغمس الجنب فيها لطلب الدلو لا بنية الاغتسال وليس على
(٦٩)