إن كانت من جنس واحد أو اختلف الجنس فإن كان الجنس متحدا فان شاؤوا جعلوها صفا واحدا كما يصطفون في حال حياتهم عند الصلاة وان شاؤوا وضعوا واحدا بعد واحد مما يلي القبلة ليقوم الامام بحذاء الكل هذا جواب ظاهر الرواية وروى عن أبي حنيفة في غير رواية الأصول ان الثاني أولى من الأول لان السنة هي قيام الامام بحذاء الميت وهو يحصل في الثاني دون الأول وإذا وضعوا واحدا بعد واحد ينبغي أن يكون أفضلهم مما يلي الامام كذا روى عن أبي حنيفة انه يوضع أفضلهما مما يلي الامام وأسنهما وقال أبو يوسف والأحسن عندي أن يكون أهل الفضل مما يلي الامام لقول النبي صلى الله عليه وسلم ليليني منكم أولو الأحلام والنهى ثم إن وضع رأس كل واحد منهم بحذاء رأس صاحبه فحسن وان وضع شبه الدرج كما قال ابن أبي ليلى وهو أن يكون رأس الثاني عند منكب الأول فحسن كذا روى عن أبي حنيفة انه ان وضع هكذا فحسن أيضا لان النبي صلى الله عليه وسلم وصاحبيه دفنوا على هذه الصفة فيحسن الوضع للصلاة على هذا الترتيب أيضا وأما إذا اختلف الجنس بأن كانوا رجالا ونساء توضع الرجال مما يلي الامام والنساء خلف الرجال مما يلي القبلة لأنهم هكذا يصطفون خلف الامام في حال الحياة ثم إن الرجال يكونون أقرب إلى الامام من النساء فكذا بعد الموت ومن العلماء من قال توضع النساء مما يلي الامام والرجال خلفهن لان في الصلاة بالجماعة في حال الحياة صف النساء خلف صف الرجال إلى القبلة فكذا في وضع الجنائز ولو اجتمع جنازة رجل وصبي وخنثى وامرأة وصبية وضع الرجل مما يلي الامام والصبي وراءه ثم الخنثى ثم المرأة ثم الصبية والأصل فيه قول النبي صلى الله عليه وسلم ليليني منكم أولوا الأحلام والنهى ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ولأنهم هكذا يقومون في الصف خلف الامام حالة الحياة فيوضعون كذلك بعد الموت ولو كبر الامام على جنازة ثم أتى بجنازة أخرى فوضعت معها مضى على الأولى ويستأنف الصلاة على الأخرى لان التحريمة انعقدت للصلاة على الأول فيتمها فان كبر الثانية ينويهما فهي للأولى لأنه لم يقصد الخروج عن الأولى فبقي فيها ولم يقع للثانية وان كبر ينوى الثانية وحدها فهي للثانية لأنه خرج عن الأولى بالتكبيرة مع النية كما إذا كان في الظهر فكبر ينوى العصر صار منتقلا من الظهر فكذا هذا بخلاف ما إذا نواهما جميعا لأنه ما رفض الأولى فبقي فيها فلا يصير شارعا في الثانية ثم إذا صار شارعا في الثانية فإذا فرغ منها أعاد الصلاة على الأولى أي يستقبل والله أعلم * (فصل) * وأما بيان ما تفسد به صلاة الجنازة فنقول إنها تفسد بما تفسد به سائر الصلوات وهو ما ذكرنا من الحدث العمد والكلام والقهقهة وغيرها من نواقض الصلاة الا المحاذاة فإنها غير مفسدة في هذه الصلاة لان فساد الصلاة بالمحاذاة عرف بالنص والنص ورد في الصلاة المطلقة فلا يلحق بها غيرها ولهذا لم يلحق بها سجدة التلاوة حتى لم تكن المحاذاة فيها مفسدة وكذا القهقهة في هذه الصلاة لا تنقض الطهارة لأنا عرفنا القهقهة حدثا بالنص الوارد في صلاة مطلقة فلا يجعل واردا في غيرها فرق بين هاتين المسئلتين وبين البناء فإنه لو سبقه الحدث في صلاة الجنازة يبنى وان عرف البناء بالنص وانه وارد في صلاة مطلقة والفرق ان القهقهة جعلت حدثا لقبحها في الصلاة وقبحها يزداد بزيادة حرمة الصلاة ولا شك ان حرمة الصلاة المطلقة فوق حرمة صلاة الجنازة فكان قبحها في تلك الصلاة فوق قبحها في هذه فجعلها حدثا هناك لا يدل على جعلها حدثا ههنا وكذا المحاذاة جعلت مفسدة في تلك الصلاة تعظيما لها وليست هذه مثل تلك في معنى التعظيم بخلاف البناء لان الجواز وتحمل المشي في أعلى العبادتين يوجب التحمل والجواز في أدناهما دلالة ولأنا لو لم نجوز البناء ههنا تفوته الصلاة أصلا لان الناس يفرغون من الصلاة قبل رجوعه من التوضؤ ولا يمكنه الاستدراك بالإعادة لما مر ولو لم تجوز البناء هناك لفاتته الصلاة أصلا فلما زجا البناء هناك فلان يجوز ههنا أولى * (فصل) * واما بيان ما يكره فيها فنقول تكره الصلاة على الجنازة عند طلوع الشمس وغروبها ونصف النهار لما روينا من حديث عقبة بن عامر أنه قال ثلاث ساعات نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نصلى فيها وان نقبر فيها موتانا والمراد من قوله أن نقبر فيها موتانا الصلاة على الجنازة دون الدفن إذ لا بأس بالدفن في هذه
(٣١٦)