الحكم بالطهارة عند وجود السبب المطهر في الجملة وهو الغسل لا في المنع من حلول النجاسة وعند البلخي الكرامة في امتناع حلول النجاسة وحكمها وقول العامة أظهر لان فيه عملا بالدليلين اثبات النجاسة عند وجود سبب النجاسة والحكم بالطهارة عند وجود ماله أثر في التطهير في الجملة ولا شك أن هذا في الجملة أقرب إلى القياس من منع ثبوت الحكم أصلا مع وجود السبب * (فصل) * وأما بيان كيفية وجوبه فهو واجب على سبيل الكفاية إذا قام به البعض سقط عن الباقين لحصول المقصود بالبعض كسائر الواجبات على سبيل الكفاية وكذا الواجب هو الغسل مرة واحدة والتكرار سنة وليس بواجب حتى لو اكتفى بغسلة واحدة أو غمسة واحدة في ماء جار جاز لان الغسل ان وجوب لإزالة الحدث كما ذهب إليه البعض فقد حصل بالمرة الواحدة كما في غسل الجنابة وان وجب لإزالة النجاسة المتشربة فيه كرامة له على ما ذهب إليه العامة فالحكم بالزوال بالغسل مرة واحدة أقرب إلى معنى الكرامة ولو أصابه المطر لا يجزئ عن الغسل لان الواجب فعل الغسل ولم يوجد ولو غرق في الماء فأخرج إن كان المخرج حركه كما يحرك الشئ في الماء بقصد التطهير سقط الغسل والا فلا لما قلنا والله أعلم * (فصل) * وأما بيان كيفية الغسل فنقول يجرد الميت إذا أريد غسله عندنا وقال الشافعي رحمه الله تعالى لا يجرد بل يغسل وعليه ثوبه استدلالا بغسل النبي صلى الله عليه وسلم حيث غسل في قميصه ولنا أن المقصود من الغسل هو التطهير ومعنى التطهير لا يحصل بالغسل وعليه الثوب لتنجس الثوب بالغسالات التي تنجست بما عليه من النجاسات الحقيقة وتعذر عصره أو حصوله بالتجريد أبلغ فكان أولى وأما غسل النبي صلى الله عليه وسلم في قميصه فقد كان مخصوصا بذلك لعظم حرمته فإنه روى أنهم لما قصدوا أن ينزعوا قميصه قبض الله السنة عليهم فما فيهم أحد الا ضرب ذقنه على صدره حتى نودوا من ناحية البيت لا تجردوا نبيكم وروى غسلوا نبيكم وعليه قميصه فدل انه كان مخصوصا بذلك ولا شركة لنا في خصائصه ولان المقصود من التجريد هو التطهير وانه صلى الله عليه وسلم كان طاهرا حتى قال علي رضي الله عنه حين تولى غسله طبت حيا وميتا ويوضع على التخت لأنه لا يمكن الغسل الا بالوضع عليه لأنه لو غسل على الأرض لتلطخ ثم لم يذكر في ظاهر الرواية كيفية وضع التخت انه يوضع إلى القبلة طولا أو عرضا فمن أصحابنا من اختار الوضع طولا كما يفعل في مرضه إذا أراد الصلاة بالايماء ومنهم من اختار الوضع عرضا كما يوضع في قبره والأصح انه يوضع كما تيسر لان ذلك يختلف باختلاف المواضع وتستر عورته بخرقة لان حرمة النظر إلي العورة باقية بعد الموت قال النبي صلى الله عليه وسلم لا تنظروا إلى فخذ حي ولا ميت ولهذا لا يباح للأجنبي غسل الأجنبية دل عليه ما روى عن عائشة انها قالت كسر عظم الميت ككسره وهو حي ليعلم أن الآدمي محترم حيا وميتا وحرمة النظر إلى العورة من باب الاحترام وقد روى الحسن عن أبي حنيفة انه يؤزر بإزار سابغ كما يفعله في حياته إذا أراد الاغتسال والصحيح ظاهر الرواية لأنه يشق عليهم غسل ما تحت الإزار ثم الخرقة ينبغي أن تكون سائرة ما بين السرة إلى الركبة لان كل ذلك عورة وبه أمر في الأصل حيث قال وتطرح عل عورته خرقة هكذا ذكر عن أبي عبد الله البلخي نصا في نوادره ثم تغسل عورته تحت الخرقة بعد ان يلف على يده خرقة كذا ذكر البلخي لان حرمة مس عورة الغير فوق حرمة النظر فتحريم النظر يدل على تحريم المس بطريق الأولى ولم يذكر في ظاهر الرواية انه هل يستنجى أم لا وذكر في صلاة الأثر ان عند أبي حنيفة يستنجى وعلى قول أبى يوسف ومحمد لا يستنجى هما يقولان فلما يخلو موضع الاستنجاء عن النجاسة الحقيقية فلابد من ازالتها وأبو يوسف ومحمد يقولان ان المسكة تسترخى بالموت فلو استنجى ربما يزداد الاسترخاء فتخرج زيادة نجاسة فكان السبيل فيه هو الترك والاكتفاء بوصول الماء إليه ولهذا والله أعلم لم يذكره في ظاهر الرواية فلعل محمد ارجع وعرف أيضا رجوع أبي حنيفة حيث لم يتعرض لذلك في ظاهر الرواية ثم يوضأ وضوءه للصلاة لما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال للآتي غسلن ابنته ابدأن بميامنها ومواضع الوضوء منها ولان هذا سنة الاغتسال في حالة الحياة فكذا
(٣٠٠)