السنن الراتبة ومذهبنا مذهب عمر وابن عمر وابن مسعود وابن عباس وعائشة وأبي سعيد الخدري رضي الله عنهم وما روى عن عمر فغريب لا يقبل على أن عمر إنما فعل ذلك لاخراج المحدث عن عهدة الفرض ولا بأس بمباشرة المكروه لمثله والاعتبار بالفرائض غير سديد لان الكراهة في هذه الأوقات ليست لمعنى في الوقت بل لمعنى في غيره وهو اخراج ما بقي من الوقت عن كونه تبعا لفرض الوقت لشغله بعبادة مقصودة ومعنى الاستتباع لا يمكن تحقيقه في حق الفرض فبطل الاعتبار وكذا أداء الواجب الذي وجب بصنع العبد من النذور قضاء التطوع الذي أفسده في هذه الأوقات مكروه في ظاهر الرواية وعن أبي يوسف انه لا يكره لأنه واجب فصار كسجدة التلاوة وصلاة الجنازة وجه ظاهر الرواية ان المنذور عينه ليس بواجب بل هو نفل في نفسه وكذا عين الصلاة لا تجب بالشروع وإنما الواجب صيانة المؤداة عن البطلان فبقيت الصلاة نفلا في نفسها فتكره في هذه الأوقات (ومنها) ما بعد الغروب يكره فيه النفل وغيره لان فيه تأخير المغرب وانه مكروه ومنها ما بعد شروع الامام في الصلاة وقبل شروعه بعد ما أخذ المؤذن في الإقامة يكره التطوع في ذلك الوقت قضاء لحق الجماعة كما تكره السنة الا في سنة الفجر على التفصيل الذي ذكرنا في السنن ومنها وقت الخطبة يوم الجمعة يكره فيه الصلاة لأنها سبب لترك استماع الخطبة وعند الشافعي يصلى ركعتين خفيفتين تحية المسجد والمسألة قد مرت في صلاة الجمعة ومنها ما بعد خروج الامام للخطبة يوم الجمعة قبل أن يشتغل بها وما بعد فراغه منها قبل أن يشرع في الصلاة يكره التطوع فيه والكلام وجميع ما يكره في حالة الخطبة عند أبي حنيفة وعندهما لا يكره الكلام وتكره الصلاة وقد مر الكلام فيها في صلاة الجمعة (ومنها) ما قبل صلاة العيد يكره التطوع فيه لان النبي صلى الله عليه وسلم لم يتطوع قبل العيدين مع شدة حرصه على الصلاة وعن علي رضي الله عنه انه خرج إلى صلاة العيد فوجد الناس يصلون فقال إنه لم يكن قبل العيد صلاة فقيل له ألا تنهاهم فقال لا فانى أخشى ان أدخل تحت قوله أرأيت الذي ينهى عبدا إذا صلى وعن عبد الله بن مسعود وحذيفة انهما كانا ينهيان الناس عن الصلاة قبل العيد ولان المبادرة إلى صلاة العيد مسنونة وفى الاشتغال بالتطوع تأخيرها ولو اشتغل بأداء التطوع في بيته يقع في وقت طلوع الشمس وكلاهما مكروهان وقال محمد بن مقاتل الرازي من أصحابنا إنما يكره ذلك في المصلى كيلا يشتبه على الناس انهم يصلون العيد قبل صلاة العيد فاما في بيته فلا بأس بان يتطوع بعد طلوع الشمس وعامة أصحابنا على أنه لا يتطوع قبل صلاة العيد لا في المصلى ولا في بيته فأول الصلاة في هذا اليوم صلاة العيد والله أعلم * (فصل) * وأما بيان ما يفارق التطوع الفرض فيه فنقول إنه يفارقه في أشياء منها انه يجوز التطوع قاعدا مع القدرة على القيام ولا يجوز ذلك في الفرض لان التطوع خير دائم فلو ألزمناه القيام يتعذر عليه إدامة هذا الخير فاما الفرض فإنه يختص ببعض الأوقات فلا يكون في الزامه مع القدرة عليه حرج والأصل في جواز النفل قاعدا مع القدرة على القيام ما روى عن عائشة رضي الله عنها ان رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلى قاعدا فإذا أراد أن يركع قام فقرأ آيات ثم ركع وسجد ثم عاد إلى القعود وكذا لو افتتح الفرض قائما ثم أراد أن يقعد ليس له ذلك بالاجماع ولو افتتح التطوع قائما ثم أراد أن يقعد من غير عذر فله ذلك عند أبي حنيفة استحسانا وعند أبي يوسف ومحمد لا يجوز هو القياس لان الشروع ملزم كالنذر ولو نذر أن يصلى ركعتين قائما لا يجوز له القعود من غير عذر فكذا إذا شرع قائما ولأبي حنيفة انه متبرع وهو مخير بين القيام والقعود في الابتداء فكذا بعد الشروع لكونه متبرعا أيضا وأما قولهما ان الشروع ملزم فنقول إن الشروع ليس بملزم وضعا وإنما يلزم لضرورة صيانة ما انعقد عبادة عن البطلان وما انعقد يتعلق بقاؤه عبادة بوجود أصل ما بقي من الصلاة لا بوجود وصف ما بقي فان التطوع قاعدا جائز في الجملة فلم يلزم تحصيل وصف القيام فيما بقي لان لزوم ما بقي لأجل الضرورة ولا ضرورة في حق وصف القيام ولهذا لا يلزمه أكثر من ركعتين لاستغناء المؤدى عن الزيادة بخلاف النذر فإنه موضوع للايجاب شرعا فإذا أوجب مع الوصف وجب كذلك حتى لو أطلق النذر لا رواية فيه فقيل إنه على هذا الخلاف الذي ذكرنا في
(٢٩٧)