ليله ونهاره لا يخلو عن ذنب أو خطا أو زلة أو تقصير في العبادة والقيام بشكر النعمة وان جل قدره وخطره عند الله تعالى إذ قد سبق إليه من الله تعالى من النعم والاحسان ما لو أخذ بشكر ذلك لم يقدر على أداء شكر واحدة منها فضلا عن أن يؤدى شكرا لكل فيحتاج إلى تكفير ذلك إذ هو فرض ففرضت الصلوات الخمس تكفيرا لذلك * (فصل) * وأما عددها فالخمس ثبت ذلك بالكتاب والسنة واجماع الأمة (أما) الكتاب فما تلونا من الآيات التي فيها فرضية خمس صلوات وقوله تعالى حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى إشارة إلى ذلك لأنه ذكر الصلوات بلفظ الجمع وعطف الصلاة الوسطى عليها والمعطوف غير المعطوف عليه في الأصل فهذا يقتضى جمعا يكون له وسطى والوسطى غير ذلك الجمع وأقل جمع يكون له وسطى والوسطى غير ذلك الجمع هو الخمس لان الأربع والست لا وسطى لهما وكذا هو شفع إذ لوسط ما له حاشيتان متساويتان ولا يوجد ذلك في النفع والثلاث له وسطى لكن الوسطى ليس غير الجمع إذ الاثنان بجمع صحيح والسبعة وكل وتر بعدها له وسطى لكنه ليس بأقل الجمع لان الخمسة أقل من ذلك (وأما) السنة فما روينا من الأحاديث وروى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما علم الاعرابي الصلوات الخمس فقال هل على شئ غير هذا فقال عليه الصلاة والسلام لا الا أن تطوع والأمة أجمعت على هذا من غير خلاف بينهم ولهذا قال عامة الفقهاء ان الوتر سنة لما ان كتاب الله والسنن المتواترة والمشهورة ما أوجبت زيادة على خمس صلوات فالقول بفرضية الزيادة عليها باخبار الآحاد يكون قولا بفرضية صلاة سادسة وانه خلاف الكتاب والسنة واجماع الأمة ولا يلزم هذا أبا حنيفة لأنه لا يقول بفرضية الوتر وإنما يقول بوجوبه (والفرق) بين الواجب والفرض كما بين السماء والأرض على ما عرف في موضعه والله أعلم * (فصل) * وأما عدد ركعات هذه الصلوات فالمصلى لا يخلو اما أن يكون مقيما واما أن يكون مسافرا فإن كان مقيما فعدد ركعاتها سبعة عشر ركعتان وأربع وأربع وثلاث وأربع عرفنا ذلك بفعل النبي صلى الله عليه وسلم وقوله صلوا كما رأيتموني أصلى وهذا لأنه ليس في كتاب الله عدد ركعات هذه الصلوات فكانت نصوص الكتاب العزيز مجملة في حق المقدار ثم زال الاجمال ببيان النبي صلى الله الله عليه وسلم قولا وفعلا كما في نصوص الزكاة والعشر والحج وغير ذلك وإن كان مسافر فعدد ركعاتها في حقه احدى عشرة عندنا ركعتان وركعتان وثلاث وركعتان وعند الشافعي سبعة عشر كما في حق المقيم * (فصل) * والكلام في صلاة المسافر يقع في ثلاث مواضع أحدها في بيان المقدار المفروض من الصلاة في حق المسافر والثاني في بيان ما يصير المقيم به مسافرا والثالث في بيان ما يصير به المسافر مقيما ويبطل به السفر ويعود إلى حكم الإقامة (أما) الأول فقد قال أصحابنا ان فرض المسافر من ذوات الأربع ركعتان لا غير وقال الشافعي أربع كفرض المقيم الا أن للمسافر أن يقصر رخصة من مشايخنا من لقب المسألة بأن القصر عندنا عزيمة والا كمال رخصة وهذا التلقيب على أصلنا خطأ لان الركعتين من ذوات الأربع في حق المسافر ليستا قصرا حقيقة عندنا بل هما تمام فرض المسافر والا كمال ليس رخصة في حقه بل هو إساءة ومخالفة للسنة هكذا روى عن أبي حنيفة أنه قال من أتم الصلاة في السفر فقد أساء وخالف السنة وهذا لان الرخصة اسم لما تغير عن الحكم الأصلي لعارض إلى تخفيف ويسر لما عرف في أصول الفقه ولم يوجد معنى التغيير في حق المسافر رأسا إذا الصلاة في الأصل فرضت ركعتين في حق المقيم والمسافر جميعا لما يذكر ثم زيدت ركعتان في حق المقيم وأقرت الركعتان على حالهما في حق المسافر كما كانتا في الأصل فانعدم معنى التغيير أصلا في حقه وفى حق المقيم وجد التغيير لكن إلى الغلظ والشدة لا إلى السهولة واليسر والرخصة تنبئ عن ذلك فلم يكن ذلك رخصة في حقه حقيقة ولو سمى فإنما سمى مجاز الوجود بعض معاني الحقيقة وهو التغيير (احتج) الشافعي بقوله تعالى وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة ولفظه لا جناح تستعمل
(٩١)