هذا صيانة لمنصب النبوة عما يورث شبهة نفرة اطباع عنه وتوفيقا بين الدلائل على أنه يحتمل انه كان مخصوصا بأنه لا ينقطع نكاحه بعد الموت لقوله كل سبب ونسب ينقطع بالموت الا سببي ونسبي وأما حديث علي رضي الله عنه فقد روى أن فاطمة رضي الله عنها غسلتها أم أيمن ولو ثبت ان عليا غسلها فقد أنكر عليه ابن مسعود حتى قال على أما علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إن فاطمة زوجتك في الدنيا والآخرة فدعواه الخصوصية دليل على أنه كان معروفا بينهم ان الرجل لا يغسل زوجته وان لم يكن هناك نساء مسلمات ومعهم امرأة كافرة علموها الغسل ويخلون بينهما حتى تغسلها وتكفنها ثم يصلى عليها الرجال ويدفنوها لما ذكرنا وان لم يكن معهم نساء لا مسلمة ولا كافرة فإن كان معهم صبي لم يبلغ حد الشهوة وأطاق الغسل علموه الغسل فيغسلها ويكفنها لما بينا وان لم يكن معهم ذلك فإنها لا تغسل ولكنها تيمم لما ذكرنا غير أن الميمم لها إن كان محرما لها ييممها بغير خرقة وان لم يكن محرما لها فمع الخرقة يلفها على كفه لما مر ويعرض بوجهه عن ذراعيها لان في حالة الحياة ما كان للأجنبي أن ينظر إلى ذراعيها فكذا بعد الموت ولا بأس أن ينظر إلى وجهها كما في حالة الحياة ولو مات الصبي الذي لا يشتهى لا بأس أن تغسله النساء وكذلك الصبية التي لا تشتهى إذا ماتت لا بأس أن يغسلها الرجال لان حكم العورة غير ثابت في حق الصغير والصغيرة ثم إذا غسل الميت يكفن * (فصل) * والكلام في تكفينه في مواضع في بيان وجوب التكفين وفي بيان كيفية وجوبه وفي بيان كمية الكفن وفي بيان صفته وفي بيان كيفية التكفين وفي بيان من يجب عليه الكفن أما الأول فالدليل على وجه النص والاجماع والمعقول أما النص فما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال البسوا هذه الثياب البيض فإنها خير ثيابكم وكفنوا فيها موتاكم وظاهر الامر لوجوب العمل وروى أن الملائكة لما غسلت آدم صلوات عليه كفنوه ودفنوه ثم قالت لولده هذه سنة موتاكم والسنة المطلقة في معنى الواجب والاجماع منعقد على وجوبه ولهذا توارثه الناس من لدن وفاة آدم صلوات الله وسلامه عليه إلى يومنا هذا وذا دليل الوجوب وأما المعقول فهو أن غسل الميت إنما وجب كرامة له وتعظيما ومعنى التعظيم والكرامة إنما يتم بالتكفين فكان واجبا * (فصل) * وأما كيفية وجوبه فوجوبه على سبيل الكفاية قضاء لحق الميت حتى إذا قام به البعض يسقط عن الباقين لان حقه صار مقضيا كما في الغسل وأما الكلام في كمية الكفن فنقول أكثر ما يكفن فيه الرجل ثلاثة أثواب ازار ورداء وقميص وهذا عندنا وقال الشافعي لا يسن القميص في الكفن وإنما الكفن ثلاث لفائت واحتج بما روى عن عائشة ان النبي صلى الله عليه وسلم كفن في ثلاثة أثواب بيض سحولية ليس فيها قميص ولا عمامة ولنا ما روى عن عبد الله بن مغفل رضي الله عنه أنه قال كفنوني في قميصي فان رسول الله صلى الله عليه وسلم كفن في قميصه الذي توفى فيه وهكذا روى عن ابن عباس ان النبي صلى الله عليه وسلم كفن في ثلاثة أثواب أحدها القميص الذي توفى فيه والاخذ برواية ابن عباس أولى من الاخذ بحديث عائشة لان ابن عباس حضر تكفين رسول الله صلى الله عليه وسلم ودفنه وعائشة ما حضرت ذلك على أن معنى قولها ليس فيها قميص أي لم يتخذ قميصا جديدا وروى عن علي رضي الله عنه أنه قال كفن المرأة خمسة أثواب وكفن الرجل ثلاثة ولا تعتدوا ان الله لا يحب المعتدين ولان حال ما بعد الموت يعتبر بحال حياته والرجل في حال حياته يخرج في ثلاثة أثواب عادة قميص وسراويل وعمامة فالإزار بعد الموت قائم مقام السراويل في حال الحياة لأنه في حال حياته إنما كان يلبس السراويل لئلا تنكشف عورته عند المشي وذلك غير محتاج إليه بعد موته فأقيم الإزار مقامه ولذا لم يذكر العمامة في الكفن وقد كرهه بعض مشايخنا لأنه لو فعل ذلك لصار الكفن شفعا والسنة فيه أن يكون وترا واستحسنه بعض مشايخنا لحديث ابن عمر انه كان يعمم الميت ويجعل ذنب العمامة على وجهه بخلاف حال الحياة فإنه يرسل ذنب العمامة من قبل القفا لان ذلك لمعنى الزينة وقد انقطع ذلك بالموت والدليل على أن السنة في حق الرجل ثلاثة أثواب ما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم انه كفن في برد وحلة والحلة اسم للزوج من الثياب والبرد اسم للفرد منها وأدنى ما يكفن فيه في حالة الاختيار
(٣٠٦)