بواسطة العصر وهذه المائعات في المداخلة والمجاورة والترقيق مثل الماء فكانت مثله في إفادة الطهارة بل أولى فان الخل يعمل في إزالة بعض ألوان لا تزول بالماء فكان في معنى التطهير أبلغ (وأما) قولهم إن الماء بأول ملاقاة النجس صار نجسا ممنوع والماء قط لا يصير نجسا وإنما يجاور النجس فكان طاهرا في ذاته فصلح مطهرا ولو تصور تنجس الماء فذلك بعد مزايلته المحل النجس لان الشرع أمرنا بالتطهير ولو تنجس بأول الملاقاة لما تصور التطهير فيقع التكليف بالتطهير عبثا تعالى الله عن ذلك فهكذا نقول في الحدث الا أن الشرع ورد بالتطهير بالماء هناك تعبدا غير معقول المعنى فيقتصر على مورد التعبد وهذا إذا كان مائعا ينعصر بالعصر فإن كان لا ينعصر مثل العسل والسمن والدهن ونحوها لا تحصل به الطهارة أصلا لانعدام المعاني التي يقف عليها زوال النجاسة على ما بينا (ومنها) الفرك والحت بعد الجفاف في بعض الأنجاس في بعض المحال (وبيان) هذه الجملة إذا أصاب المنى الثوب وجف وفرك طهر استحسانا والقياس ان لا يطهر الا بالغسل وإن كان رطبا لا يطهر الا بالغسل والأصل فيه ما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لعائشة رضي الله عنها إذا رأيت المنى في ثوبك إن كان رطبا فاغسليه وإن كان يابسا فافركيه ولأنه شئ غليظ لزج لا يتشرب في الثوب الا رطوبته ثم تنجذب تلك الرطوبة بعد الجفاف فلا يبقى الا عينه وانها تزول بالفرك بخلاف الرطب لأن العين وان زالت بالحت فاجزاؤها المتشربة في الثوب قائمة فبقيت النجاسة وان أصاب البدن فإن كان رطبا لا يطهر الا بالغسل لما بينا وان جف فهل يطهر بالحت روى الحسن عن أبي حنيفة أنه لا يطهر وذكر الكرخي أنه يطهر وجه رواية الحسن أن القياس أن لا يطهر في الثوب الا بالغسل وإنما عرفناه بالحديث وأنه ورد في الثوب بالفرك فبقي البدن مع أنه لا يحتمل الفرك على أصل القياس وجه قول الكرخي أن النص الوارد في الثوب يكون واردا في البدن من طريق الأولى لان البدن أقل تشربا من الثوب والحت في البدن يعمل عمل الفرك في الثوب في إزالة العين (وأما) سائر النجاسات إذا أصابت الثوب أو البدن ونحوهما فإنها لا تزول الا بالغسل سواء كانت رطبة أو يابسة كانت سائلة أو لها جرم ولو أصاب ثوبه خمر فالقى عليها الملح ومضى عليه من المدة مقدار ما يتخلل فيها لم يحكم بطهارته حتى يغسله ولو أصابه عصير فمضى عليه من المدة مقدار ما يتخمر العصير فيها لا يحكم بنجاسته وان أصاب الخف أو النعل ونحوهما فإن كانت رطبة لا تزول الا بالغسل كيفما كانت وروى عن أبي يوسف أنه يطهر بالمسح على التراب كيفما كانت مستجسدة أو مائعة وإن كانت يابسة فإن لم يكن لها جرم كثيف كالبول والخمر والماء النجس لا يطهر الا بالغسل وإن كان لها جرم كثيف فإن كان منيا فإنه يطهر بالحت بالاجماع وإن كان غيره كالعذرة والدم الغليظ والروث يطهر بالحت عند أبي حنيفة وأبى يوسف وعند محمد لا يطهر الا بالغسل وهو أحد قولي الشافعي وما قالاه استحسان وما قاله قياس وجه القياس ان غير الماء لا أثر له في الإزالة وكذا القياس في الماء لما بينا فيما تقدم الا أنه يجعل طهورا للضرورة والضرورة ترتفع بالماء فلا ضرورة في غيره ولهذا لم يؤثر في إزالة الرطب واليابس وفى الثوب وهذا هو القياس في المنى الا أنا عرفناه بالنص وجه الاستحسان ما روى عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم لما خلع نعليه في الصلاة خلع الناس نعالهم فلما فرغ من الصلاة قال ما بالكم خلعتم نعالكم فقالوا خلعت نعليك فخلعنا نعالنا فقال أتاني جبريل وأخبرني أن بهما أذى ثم قال إذا أتى أحدكم المسجد فليقلب نعليه فإن كان بهما أذى فليمسحهما بالأرض فان الأرض لهما طهور وهذا نص والفقه من وجهين أحدهما أن المحل إذا كان فيه صلابة نحو الخف والنعل لا تتخلل اجزاء النجاسة فيه لصلابته وإنما تتشرب منه بعض الرطوبات فإذا أخذ المستجسد في الجفاف جذبت تلك الرطوبات إلى نفسه شيئا فشيئا فكلما ازداد يبسا ازداد جذبا إلى أن يتم الجفاف فعند ذلك لا يبقى منها شئ أو يبقى شئ يسير فإذا جف الخف أو مسحه على الأرض تزول العين بالكلية بخلاف حالة الرطوبة لأن العين وان زالت فالرطوبات باقية لأنه خروجها بالجذب بسبب اليبس ولم يوجد وبخلاف السائل لأنه لم يوجد الجاذب وهو العين المستجسدة فبقيت الرطوبة المتشربة فيه فلا يطهر بدون الغسل وبخلاف
(٨٤)