كان يرجو وجود الماء في آخره أولا يرجو وهذا لا يوجب اختلاف الرواية بل يجعل رواية المعلى تفسيرا لما أطلقه في الأصل وهو قول جماعة من التابعين مثل الزهري والحسن وابن سيرين رضي الله عنهم فإنهم قالوا يؤخر التيمم إلى آخر الوقت إذا كان يرجو وجود الماء وقال جماعة لا يؤخر ما لم يستيقن بوجود الماء في آخر الوقت وبه أخذ الشافعي وقال مالك المستحب له أن يتيمم في وسط الوقت والصحيح قولنا لما روى عن علي رضي الله عنه أنه قال في مسافر أجنب يتلوم إلى آخر الوقت ولم يرو عن غيره من الصحابة خلافه فيكون اجماعا والمعنى فيه ان أداء الصلاة بطهارة الماء أفضل لأنها أصل والتيمم بدل ولأنها طهارة حقيقة وحكما والتيمم طهارة حكما لا حقيقة فإذا كان يرجو وجود الماء في آخر الوقت كان في التأخير أداء الصلاة بأكمل الطهارتين فكان التأخير مستحبا فاما إذا لم يرج لا يستحب إذ لا فائدة في التأخير ولو تيمم في أول الوقت وصلى فإن كان عالما أن الماء قريب بأن كان بينه وبين الماء أقل من ميل لم تجز صلاته بلا خلاف لأنه واجد للماء وإن كان ميلا فصاعدا جازت صلاته وإن كان يمكنه ان يذهب ويتوضأ ويصلى في الوقت وعند زفر لا يجوز لما يذكر وان لم يكن عالما بقرب الماء أو بعده تجوز صلاته سواء كان يرجوا وجود الماء في آخر الوقت أولا سواء كان بعد الطلب أو قبله عندنا خلافا للشافعي لما مر أن العدم ثابت ظاهرا واحتمال الوجود لا دليل عليه فلا يعارض الظاهر ولو أخبر في آخر الوقت أن الماء بقرب منه بأن كان بينه وبين الماء أقل من ميل لكنه يخاف لو ذهب إليه وتوضأ تفوته الصلاة عن وقتها لا يجوز له التيمم بل يجب عليه ان يذهب ويتوضأ ويصلى خارج الوقت عند أصحابنا الثلاثة وعند زفر يجزئه التيمم والأصل أن المعتبر عند أصحابنا الثلاثة القرب والبعد لا الوقت وعند زفر المعتبر هو الوقت لا قرب الماء وبعده وجه قوله أن التيمم شرع للحاجة إلى أداء الصلاة في الوقت فكان المنظور إليه هو الوقت فيتيمم كيلا تفوته الصلاة عن الوقت كما في صلاة الجنازة والعيدين (ولنا) أن هذه الصلاة لا تفوته أصلا بل إلى خلف وهو القضاء والفائت إلى خلف قائم معنى بخلاف صلاة الجنازة والعيدين لأنها تفوت أصلا لما يذكر في موضعه فجاز التيمم فيها لخوف الفوات والله أعلم * (فصل) * وأما صفة التيمم فهي انه بدل بلا شك لأن جوازه معلق بحال عدم الماء لكنهم اختلفوا في كيفية البدلية من وجهين أحدهما الخلاف فيه مع غير أصحابنا والثاني مع أصحابنا (أما) الأول فقد قال أصحابنا ان التيمم بدل مطلق وليس ببدل ضروري وعنوا به أن الحدث يرتفع بالتيمم إلى وقت وجود الماء في حق الصلاة المؤداة الا أنه يباح له الصلاة مع قيام الحدث وقال الشافعي التيمم بدل ضروري وعنى به أنه يباح له الصلاة مع قيام الحدث حقيقة للضرورة كطهارة المستحاضة وجه قوله لتصحيح هذا الأصل أن التيمم لا يزيل هذا الحدث بدليل أنه لو رأى الماء تعود الجنابة والحدث مع أن رؤية الماء ليست بحدث فعلم أن الحدث لم يرتفع لكن أبيح له أداء الصلاة مع قيام الحدث للضرورة كما في المستحاضة (ولنا) ما ورى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال التيمم وضوء المسلم ولو إلى عشر حجج ما لم يجد الماء أو يحدث فقد سمى التيمم وضوءا والوضوء مزيل للحدث وقال صلى الله عليه وسلم جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا والطهور اسم للمطهر فدل على أن الحدث يزول بالتيمم الا أن زواله مؤقت إلى غاية وجود الماء فإذا وجد الماء يعود الحدث السابق لكن في المستقبل لا في الماضي فلم يظهر في حق الصلاة المؤداة وعلى هذا الأصل يبنى التيمم قبل دخول الوقت أنه جائز عندنا وعند الشافعي لا يجوز لأنه بدل مطلق عند عدم الماء فيجوز قبل دخول الوقت وبعده وعنده بدل ضروري فتتقدر بدليته بقدر الضرورة ولا ضرورة قبل دخول الوقت وعلى هذا يبنى أيضا انه إذا تيمم في الوقت له ان يؤدى ما شاء من الفرائض والنوافل ما لم يجد الماء أو يحدث عندنا وعنده لا يجوز له ان يؤدى به فرضا آخر غير ما تيمم لأجله وله أن يصلى به النوافل لكونها تابعة للفرائض وثبوت الحكم في التبع لا يقف على وجود علة على حدة أو شرط على حدة فيه بل وجود ذلك في الأصل يكفي لثبوته في التبع كما هو مذهبه في طهارة المستحاضة وعلى هذا يبنى أنه إذا تيمم للنفل
(٥٥)