حنيفة ما روى عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى صلاة الكسوف وجهر فيها بالقراءة لأنها صلاة تقام بجمع عظيم فيجهر بالقراءة فيها كالجمعة والعيدين ولأبي حنيفة حديث سمرة بن جندب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قام قياما طويلا لم يسمع له صوت وروى عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الكسوف وكنت إلى جنبه فلم اسمع منه حرفا وقال صلى الله عليه وسلم صلاة النهار عجماء أي ليس فيها قراءة مسموعة ولان القوم لا يقدرون على التأمل في القراءة لتصير ثمرة القراءة مشتركة لاشتغال قلوبهم بهذا الفزع كما لا يقدرون على التأمل في سائر الأيام في صلوات النهار لاشتغال قلوبهم بالمكاسب وحديث عائشة تعارض بحديث ابن عباس فبقي لنا الاعتبار الذي ذكرنا مع ظواهر الأحاديث الاخر ونحمل ذلك على أنه جهر ببعضها اتفاقا كما روى أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يسمع الآية والآيتين في صلاة الظهر أحيانا والله أعلم وليس في هذه الصلاة أذان ولا إقامة لأنهما من خواص المكتوبات ولا خطبة فيها عندنا وقال الشافعي يخطب خطبتين لحديث عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى في كسوف الشمس ثم خطب فحمد الله وأثنى عليه ولنا أن الخطبة لم تنقل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعنى قولها خطب أي دعا أو لأنه احتاج إلى الخطبة رد القول الناس إنما كسفت الشمس لموت إبراهيم لا للصلاة والله أعلم (وأما) خسوف القمر فالصلاة فيها حسنة لما روينا عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال إذا رأيتم من هذه الافزاع شيئا فافزعوا إلى الصلاة وهي لا تصلى بجماعة عندنا وعند الشافعي تصلى بجماعة واحتج بما روى عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه صلى بالناس في خسوف القمر وقال صليت كما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ولنا أن الصلاة بجماعة في خسوف القمر لم تنقل عن النبي صلى الله عليه وسلم مع أن خسوفه كان أكثر من كسوف الشمس ولان الأصل أن غير المكتوبة لا تؤدى بجماعة قال النبي صلى الله عليه وسلم صلاة الرجل في بيته أفضل الا المكتوبة الا إذا ثبت بالدليل كما في العيدين وقيام رمضان وكسوف الشمس ولان الاجتماع بالليل متعذر أو سبب الوقوع في الفتنة وحديث ابن عباس غير مأخوذ به لكونه خبر آحاد في محل الشهرة وكذا تستحب الصلاة في كل فزع كالريح الشديدة والزلزلة والظلمة والمطر الدائم لكونها من الافزاع والأهوال وقد روى عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه صلى لزلزلة بالبصرة وأما موضع الصلاة أما في خسوف القمر فيصلون في منازلهم لان السنة فيها أن يصلوا وحدانا على ما بينا وأما في كسوف الشمس فقد ذكر القاضي في شرحه مختصر الطحاوي أنه يصلى في الموضع الذي يصلى فيه العيد أو المسجد الجامع ولأنهما من شعائر الاسلام فتؤدى في المكان المعد لاظهار الشعائر ولو اجتمعوا في موضع آخر وصلوا بجماعة أجزأهم والأول أفضل لما مر وأما وقتها فهو الوقت الذي يستحب فيه أداء سائر الصلوات دون الأوقات المكروهة ولأن هذه الصلاة إن كانت نافلة فالنوافل في هذه الأوقات مكروهة وإن كانت لها أسباب عندنا كركعتي التحية وركعتي الطواف لما نذكر في موضعه وإن كانت واجبة فأداء الواجبات في هذه الأوقات مكروهة كسجدة التلاوة وغيرها والله الموفق * (فصل وأما صلاة الاستسقاء) * فظاهر الرواية عن أبي حنيفة أنه قال لا صلاة في الاستسقاء وإنما فيه الدعاء وأراد بقوله لا صلاة في الاستسقاء الصلاة بجماعة أي لا صلاة فيه بجماعة بدليل ما روى عن أبي يوسف أنه قال سألت أبا حنيفة عن الاستسقاء هل فيه صلاة أو دعاء موقت أو خطبة فقال أما صلاة بجماعة فلا ولكن الدعاء والاستغفار وان صلوا وحدانا فلا بأس به وهذا مذهب أبي حنيفة وقال محمد يصلى الامام أو نائبه في الاستسقاء ركعتين بجماعة كما في الجمعة ولم يذكر في ظاهر الرواية قول أبى يوسف وذكر في بعض المواضع قوله مع قول أبي حنيفة وذكر الطحاوي قوله مع قول محمد وهو الأصح واحتجا بحديث ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بجماعة في الاستسقاء ركعتين والمروى في حديث عبد الله بن عامر بن ربيعة أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى فيه ركعتين كصلاة العيد ولأبي حنيفة قوله تعالى فقلت استغفروا ربكم انه كان غفارا والمراد منه الاستغفار في الاستسقاء بدليل قوله يرسل السماء
(٢٨٢)