هذا جملا من الفقه مرتبة بالترتيب الصناعي والتأليف الحكمي الذي ترتضيه أرباب الصنعة وتخضع له أهل الحكمة مع ايراد الدلائل الجلية والنكت القوية بعبارات محكمة الباني مؤدية المعاني وسميته (بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع) إذ هي صنعة بديعة وترتيب عجيب وترصيف غريب لتكون التسمية موافقة للمسمى والصورة مطابقة للمعنى وافق شن طبقه وافقه فاعتنقه فأستوفق الله تعالى لاتمام هذا الكتاب الذي هو غاية المراد والزاد للمرتاد ومنتهى المطلب * وعينه تشفى الجرب * والمأمول من فضله وكرمه أن يجعله وارثا في الغابرين ولسان صدق في الآخرين وذكرا في الدنيا وذخرا في العقبى وهو خير مأمول وأكرم مسؤول * (كتاب الطهارة) * الكلام في هذا الكتاب في الأصل في موضعين أحدهما في تفسير الطهارة والثاني في البيان أنواعها (أما) تفسيرها فالطهارة لغة وشرعا هي النظافة والتطهير التنظيف وهو اثبات النظافة في المحل وانها صفة تحدث ساعة فساعة وإنما يمتنع حدوثها بوجود ضدها وهو القذر فإذا زال القذر وامتنع حدوثه بإزالة العين القذرة تحدث النظافة فكان زوال القذر من باب زوال المانع من حدوث الطهارة لا أن يكون طهارة وإنما سمى طهارة توسعا لحدوث الطهارة عند زواله (فصل) وأما بيان أنواعها فالطهارة في الأصل نوعان طهارة عن الحدث وتسمى طهارة حكمية وطهارة عن الخبث وتسمى طهارة حقيقة (أما) الطهارة عن الحدث فثلاثة أنواع الوضوء والغسل والتيمم (أما) الوضوء فالكلام في الوضوء في مواضع في تفسيره وفي بيان أركانه وفي بيان شرائط الأركان وفي بيان سننه وفي بيان آدابه وفي بيان ما ينقضه (أما) الأول فالوضوء اسم للغسل والمسح لقوله تبارك وتعالى يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم إلى الكعبين أمر بغسل الأعضاء الثلاثة ومسح الرأس فلابد من معرفة معنى الغسل والمسح فالغسل هو إسالة المائع على المحل والمسح هو الإصابة حتى لو غسل أعضاء وضوئه ولم يسل الماء بأن استعمله مثل الدهن لم يجز في ظاهر الرواية وروى عن أبي يوسف انه يجوز وعلى هذا قالوا لو توضأ بالثلج ولم يقطر منه شئ لا يجوز ولو قطر قطرتان أو ثلاث جاز لوجود الإسالة وسئل الفقيه أبو جعفر الهندواني عن التوضئ بالثلج فقال ذلك مسح وليس بغسل فان عالجه حتى يسيل يجوز وعن خلف بن أيوب أنه قال ينبغي للمتوضئ في الشتاء أن يبل أعضاءه شبه الدهن ثم يسيل الماء عليها لأن الماء يتجافى عن الأعضا في الشتاء (وأما) أركان الوضوء فأربعة (أحدها) غسل الوجه مرة واحدة لقوله تعالى فاغسلوا وجوهكم والامر المطلق لا يقتضى التكرار ولم يذكر في ظاهر الرواية حد الوجه وذكر في غير رواية الأصول انه من قصاص الشعر إلى أسفل الذقن والى شحمتي الاذنين وهذا تحديد صحيح لأنه تحديد الشئ بما ينبئ عنه اللفظ لغة لان الوجه اسم لما يواجه الانسان أو ما يواجه إليه في العادة والمواجهة تقع بهذا المحدود فوجب غسله قبل نبات الشعر فإذا نبت الشعر يسقط غسل ما تحته عند عامة العلماء وقال أبو عبد الله البلخي انه لا يسقط غسله وقال الشافعي إن كان الشعر كثيفا يسقط وإن كان خفيفا لا يسقط وجه قول أبى عبد الله ان ما تحت الشعر بقي داخلا تحت الحد بعد نبات الشعر فلا يسقط غسله وجه قول الشافعي ان السقوط لمكان الحرج والحرج في الكثيف لا في الخفيف (ولنا) ان الواجب غسل الوجه ولما نبت الشعر خرج ما تحته من أن يكون وجها لأنه لا يواجه إليه فلا يجب غسله وخرج الجواب عما قاله أبو عبد الله وعما قاله الشافعي أيضا لان السقوط في الكثيف ليس لمكان الحرج بل لخروجه من أن يكون وجها لاستتاره بالشعر وقد وجد ذلك في الخفيف وعلى هذا الخلاف غسل ما تحت الشارب والحاجبين وأما الشعر الذي يلاقى الحدين وظاهر الذقن فقد روى ابن شجاع عن الحسن عن أبي حنيفة وزفر انه مسح من لحيته ثلثا أو ربعا جاز وان مسح أقل من ذلك لم يجز وقال أبو يوسف ان لم
(٣)