ولا يتحقق ذلك الا وأن يكون لا بس الخف على طهارة وقت الحدث بعد اللبس (ومنها) انه إذا سقطت الجبائر لا عن برء لا ينتقض المسح وسقوط الخفين أو سقوط أحدهما يوجب انتقاض المسح لما بينا * (فصل) * وأما شرائط أركان الوضوء (فمنها) أن يكون الوضوء بالماء حتى لا يجوز التوضؤ بما سوى الماء من المائعات كالخل والعصير واللبن ونحو ذلك لقوله تعالى يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم إلى الكعبين والمراد منه الغسل بالماء لأنه تعالى قال في آخر الآية كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا نقل الحكم إلى التراب عند عدم الماء فدل على أن المنقول منه هو الغسل بالماء وكذا الغسل المطلق ينصرف إلى الغسل المعتاد وهو الغسل بالماء (ومنها) أن يكون بالماء المطلق لان مطلق اسم الماء ينصرف إلى الماء المطلق فلا يجوز التوضؤ بالماء المقيد والماء المطلق هو الذي تتسارع افهام الناس إليه عند اطلاق اسم الماء كماء الأنهار والعيون والآبار وماء السماء وماء الغدران والحياض والبحار فيجوز الوضوء بذلك كله سواء كان في معدنه أو في الأواني لان نقله من مكان إلى مكان لا يسلب اطلاق اسم الماء عنه وسواء كان عذبا أو ملحا لأن الماء الملح يسمى ماء على الاطلاق وقال النبي صلى الله عليه وسلم خلق الماء طهور الا ينجسه شئ الا ما غير لوثه أو طعمه أو ريحه والطهور هو الطاهر في نفسه المطهر لغيره وقال الله تعالى وأنزلنا من السماء ماء طهورا وقال الله تعالى وينزل عليكم من السماء ماء ليطهركم به وروى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن البحر فقال هو الطهور ماؤه الحل ميتته وروى أنه صلى الله عليه وسلم سئل عن المياه التي تكون في الفلوات وما ينوبها من الدواب والسباع فقال لها ما أخذت في بطونها وما أبقت فهو لنا شراب وطهور وكان النبي صلى الله عليه وسلم يتوضأ من آبار المدينة * (وأما) المقيد فهو ما لا تتسارع إليه الافهام عند اطلاق اسم الماء وهو الماء الذي يستخرج من الأشياء بالعلاج كماء الأشجار والثمار وماء الورد ونحو ذلك ولا يجوز التوضؤ بشئ من ذلك وكذلك الماء المطلق إذا خالطه شئ من المائعات الطاهرة كاللبن والخل ونقيع الزبيب ونحو ذلك على وجه زال عنه اسم الماء بان صار مغلوبا به فهو بمعنى الماء المقيد ثم ينظر إن كان الذي خالطه مما يخالف لونه لون الماء كاللبن وماء العصفر والزعفران ونحو ذلك تعتبر الغلبة في اللون وإن كان لا يخالف الماء في اللون ويخالفه في الطعم كعصير العنب الأبيض وخله تعتبر الغلبة في الطعم وإن كان لا يخالفه فيهما تعتبر الغلبة في الاجزاء فان استويا في الاجزاء لم يذكر هذا في ظاهر الرواية وقالوا حكمه حكم الماء المغلوب احتياطا هذا إذا لم يكن الذي خالطه مما يقصد منه زيادة نظافة فإن كان مما يقصد منه ذلك ويطبخ به أو يخالط به كماء الصابون والأشنان يجوز التوضؤ به وان تغير لون الماء أو طعمه أو ريحه لان اسم الماء باق وازداد معناه وهو التطهير وكذلك جرت السنة في غسل الميت بالماء المغلى بالدر والحرض فيجوز الوضوء به الا إذا صار غليظا كالسويق المخلوط لأنه حينئذ يزول عنه اسم الماء ومعناه أيضا ولو تغير الماء المطلق بالطين أو بالتراب أو بالجص أو بالنورة أو بوقوع الأوراق أو الثمار فيه أو بطول المكث يجوز التوضؤ به لأنه لم يزل عنه اسم الماء وبقى معناه أيضا مع ما فيه من الضرورة الظاهرة لتعذر صون الماء عن ذلك وقياس ما ذكرنا أنه لا يجوز الوضوء بنبيذ التمر لتغير طعم الماء وصيرورته مغلوبا بطعم التمر فكان في معنى الماء المقيد وبالقياس أخذ أبو يوسف وقال لا يجوز التوضؤ به الا ان أبا حنيفة ترك القياس بالنص وهو حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه فجوز التوضؤ به وذكر في الجامع الصغير أن المسافر إذا لم يجد الماء ووجد نبيذ التمر توضأ به ولم يتيمم وذكر في كتاب الصلاة يتوضأ به وان تيمم معه أحب إلى وروى الحسن عن أبي حنيفة انه بجمع بينهما لا محالة وهو قول محمد وروى نوح في الجامع المروزي عن أبي حنيفة انه رجع عن ذلك وقال لا يتوضأ به ولكنه يتيمم وهو الذي استقر عليه قوله كذا قال نوح وبه أخد أبو يوسف ومالك والشافعي واحتج هؤلاء بقوله تعالى فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا نقل الحكم من الماء المطلق إلى التراب فمن نقله إلى النبيذ ثم من
(١٥)